فصل: التقسيم الرابع للفعل بحسب الجمود والتصرف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شذا العرف في فن الصرف ***


خطبة الكتاب

بسم اللّه الرحمن الرحيم

اللّهم إنَّا نحمدك يا مصرِّف القلوب على مزيد نعمتك، ومترادف جودك وكرمك، غمرتنا إحسانك الذي مصدره مجرَّد فضلك، وشملتنا بمضاعف نعمك وطولك؛ فسبحانك تعالت صفاتك عن الشبيه والمثال، وتنزهت أفعالك عن النقص والإعلال؛ لا رادّ لماضي أمرك، ولا وصول لقدرك حق قدرك، ونستمطرك غيث صلواتك الهامية، وتسليماتك الباهرة الباهية، على نبيك إنسان عين الوجود، المشتق من ساطع نوره كل موجود «محمد» المصطفى من خير العالمين نسباً، وأرفعهم قدراً وأشرفهم حسباً، الذي صغَّر بصحيح عزمه جيش الجهالة، ومزَّق بسالم حّزْمه شمل الضلالة، وعلى آله مظاهر الحِكَم، وصحبه مَصادِر الهمم، الذين مهدوا بلفيف جمعهم المقرون بالسداد، سبيل الهدى ومعالم الرَّشاد‏.‏

وبعدُ، فما انتظم عقد علم إلاَّ والصرف واسطته، ولا ارتفع مناره إلاَّ وهو قاعدته، إذ هو إحدى دعائم الأدب، وبه تُعرف سِعَة كلام العرب، وتنجلي فرائد مفردات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهما الواسطة في الوصول إلى السعادة الدينية والدنيوية‏.‏ وكان ممن تطلع لرشف أفاويقه، وتطلب جمع تفاريقه، طلبة مدرسة «دار العلوم» الخديوية، فإنهم أحدقوا بي من كل جانب، وكان المطلاب فيهم أكثر من الطالب، فما وسعني إلاَّ أن أحفظ العلم ببذله، وأن لا أضنَّ به على أهله، فسرَّحت نواظر البحث في فِجاجِ الكواغد، وبعثتها في طلب الشوارد، فاقتفت الأثر، حتى أتت بالمبتدأ والخبر، ثم جعلت أميِّز الصحيح من العليل، وأُودِع ما اقتطفه من ثمار الكثير في السهل القليل، فجاء بحمد اللّه كتاباً تروق معانيه، وتطيب مجانيه، عباراته شافية، وشواهده كافية، فأمعن نظرك فيه، وقل‏:‏ ذلك فضل اللّه يؤتيه، وإن رأيت هفوة فقل‏:‏ طغى القلم، فإن ذلك من دواعي الكرم، وحاشاك أن تكون ممن قيل فيهم‏:‏

فإن رَأوا هَفْوَةً طَارُوا بِهَا فَرَحـاً *** مِنِّي وَمَا عَلِمُوا مِنْ صَالِحٍ دَفنُوا

وكان من يمن طالعه، لمطالعه، أن قد سطعت أنوار خديوينا الأفخم، من تحققت به لرعيته الأماني، أفندينا- عباس باشا حلمي الثاني- الساهر على ترقي الوطن وبنيه، الجدير بما قيل فيه‏:‏

أَحَيا المَآثِـرَ حَتَّى قَـالَ مَادِحُه *** هَذَا الذي أَلف الخَّيْراتِ وَاستبقا

سَاد الأُلى أثبت التَّاريخ مَا لهم *** مِنْ الفَخَار وَأنسي ذِكر مَنْ سَبقا

سَارت بسيرَتِهِ الرُّكْبَان فامْتَلأت *** قُلوب حُسَّادِه مِـنْ بَأسِـه فَرقَا

لكنَّـه لـَمْ يَزل بِالحَقِّ مُعتَصِماً *** واللّه يَحفظـهُ مِنْ شَرِّ مَا خَلقَا

أدام اللّه بدر عزه ساطعاً، وسعد حظه طالعاً، وحفظ أنجاله الكرام، ووزراءه الفخام، وكلأه بعين عنايته التي لا تنام‏.‏

وقد سميته «شذا العرف في فن الصرف»، واللّه أسأل أن يلبسه ثوب القبول، وأن ينفع به أكرم مسؤول‏.‏

وقد جعلته مرتباً على مقدمة وثلاثة أبواب فالمقدمة فيما لابد منه فيه‏.‏

الباب الأوَّل‏:‏ في الفعل‏.‏

والثاني‏:‏ في الاسم‏.‏

والثالث‏:‏ في أحكام تعمهما‏.‏

وقد شرعت في الأوَّل، بعون من عليه المعوّل، فقلت‏:‏

مُقَدِّمَة

الصَّرفُ، ويقال له التصريف، وهو لغة‏:‏ التغيير، ومنه تصريف الرياح، أي تغييرها‏.‏ واصطلاحا بالمعنى العَمَلي‏:‏ تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة، لمعان مقصودة، لا تحصل إلاَّ بها، كاسمي الفاعل والمفعول، واسم التفضيل، والتثنية والجمع، إلى غير ذلك‏.‏ وبالمعنى العِلْمي‏:‏ علم بأصول يُعرف بها أحوال أبنية الكلمة، التي ليست بإعراب ولا بناء‏.‏

وموضوعه‏:‏ الألفاظ العربية من حيث تلك الأحوال، كالصحَّة والإعلال، والأصالة والزيادة، ونحوها‏.‏

ويختص‏:‏ بالأسماء المتمكنة، والأفعال المتصرفة؛ وما ورد من تثنية بعض الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة، وجمعها وتصغيرها، فَصُوري لا حقيقي‏.‏

وواضعه‏:‏ مُعاذ بن مُسْلِم الفَرَّاء، بتشديد الراء، وقيل سيدنا علي كرَّم اللّه وجهه‏.‏

ومسائله‏:‏ قضاياه التي تُذكر فيه صريحاً أو ضمناً، نحو‏:‏ كل واو أو ياء تحرَّكت وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، ونحو إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وهكذا‏.‏

وثمرته‏:‏ صون اللسان عن الخطأ في المفردات، ومراعاة قانون اللغة في الكتابة‏.‏

واستمداده‏:‏ من كلام اللّه تعالى وكلام رسوله- صلى اللّه عليه وسلم- وكلام العرب‏.‏

وحكم الشارع فيه‏:‏ الوجوب الكِفَائيّ‏.‏

والأبنية‏:‏ جمع بناء، وهي هيئة الكلمة الملحوظة، من حركة وسكون، وعدد حروف، وترتيب‏.‏

والكلمة‏:‏ لفظٌ مفرد، وضعه الواضع ليدل على معنى، بحيث متى ذُكر ذلك اللفظ، فُهِم ذلك المعنى الموضوع هو له‏.‏

تقسيم الكلمة

تنقسم الكلمة إلى‏:‏ اسم وفعل وحرف‏.‏

فالاسم‏:‏ ما وُضِع ليدلَّ على معنى مستقل بالفهم ليس الزمن جزءاً منه، مثل‏:‏ رجل وكتاب‏.‏ والفعل‏:‏ ما وُضِع ليدل على معنى مستقل بالفهم، والزمن جزء منه، مثل‏:‏ كتب ويقرأ واحفظ‏.‏ والحرف‏:‏ ما وُضِع ليدل على معنى غير مستقل بالفهم، مثل‏:‏ هل وفي ولم، ولا دخل له هنا كما مرّ‏.‏

ويختص الاسم بقبول حرف الجرّ، وأل، وبلحوق التنوين له، وبالإضافة، وبالإسناد إليه، وبالنداء نحو‏:‏

الحمدُ للّه مُنْشئ الخَلْق مَنْ عَدَم ***

ونحو‏:‏ ‏{‏يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيَآ‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 104- 105‏)‏‏.‏

ويختص الفعل بقبول قد، والسين، وسوف، والنواصب، والجوازم، وبلحوق تاء الفعل، وتاء التأنيث الساكنة، ونون التوكيد، وياء المخاطبة له، نحو‏:‏‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّىَ‏}‏ ‏(‏الأعلى‏:‏ 14‏)‏، ‏{‏سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىَ‏}‏ ‏(‏العلى‏:‏ 6‏)‏، ‏{‏وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَىَ‏}‏ ‏(‏الضحى‏:‏ 5‏)‏، ‏{‏لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 92‏)‏، ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ‏}‏ ‏(‏الإخلاص‏:‏ 3‏)‏، ‏{‏رَبّنَا وَسِعْتَ كُلّ شَيْءٍ رّحْمَةً وَعِلْماً‏}‏ ‏(‏غافر‏:‏ 7‏)‏، ‏{‏قَالَتْ إِنّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 25‏)‏، ‏{‏لَيُسْجَنَنّ وَلَيَكُوناً مّن الصّاغِرِينَ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 32‏)‏، ‏{‏يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ، ارْجِعِي إِلَىَ رَبّكِ رَاضِيَةً مّرْضِيّةً‏}‏ ‏(‏الفجر‏:‏ 27- 28‏)‏‏.‏

ويختص الحرف بعدم قبول شيء من خصائص الاسم والفعل‏.‏

الميزان الصَّرْفي

1- لما كان أكثر كلمات اللغة العربية ثُلاثياً، اعتبر علماء الصرف أن أصول الكلمات ثلاث أحرف، وقابلوها عند الوزن بالفاء والعين واللام، مصورة بصورة الموزون، فيقولون في وزن قَمَر مثلاً‏:‏ فَعَلْ بالتحريك، وفي حِمْل‏:‏ فِعْل، بكسر الفاء وسكون العين، وفي كَرْمَ‏:‏ فَعُل، بفتح الفاء وضم العين وهلمَّ جرَّا، ويسمون الحرف الأوَّل فاء الكلمة، والثاني عين الكلمة، والثالث لام الكلمة‏.‏

2- فإذا زادت الكلمة عن ثلاثة أحرف‏:‏

فإن كانت زيادتها ناشئة من أصل وضع الكلمة على أربعة أحرف أو خمسة، زدت في الميزان لاماً أو لامين على أحرف «ف ع ل»، فتقول في وزن دَحْرَجَ مثلاً‏:‏ فَعْلَلَ، وفي وزن جَحْمَرِش فَعْلَلِل‏.‏

وإن كانت ناشئة من تكرير حرف من أصول الكلمة، كرَّرَتْ ما يقابله في الميزان، فتقول في وزن قدَّم مثلاً، بتشديد العين فعَّلَ، وفي وزن جَلْبَبَ‏:‏ فَعْلَلَ، ويقال له مُضعَّف العين أو اللام‏.‏

وإن كانت الزيادة ناشئة من زيادة حرف أو أكثر من حروف «سألتمونيها»، التي هي حروف الزيادة، قابلت الأصول بالأصول، وعبَّرَتْ عن الزائد بلفظه، فتقول في وزن قائم مثلاً‏:‏ فاعِل، وفي وزن تَقَدَّمَ‏:‏ تَفَعَّلَ، وفي وزن استخرج‏:‏ استفْعَل، وفي وزن مجتهد‏:‏ مُفْتَعِل وهكذا‏.‏

وفيما إذا كان الزائد مبدلاً من تاء الافتعال، يُنطق بها نظراً إلى الأصل، فيقال مثلاً في وزن اضطرب‏:‏ افتعل، لا افطعل، وقد أجازه الرضي‏.‏

3- وإن حصل حذف في الموزون حُذِف ما يقابله في الميزان، فتقول في وزن قل مثلاً‏:‏ فل وفي وزن قاض فاع وفي وزن عدة علَّة‏.‏

4- وإن حصل قلبٌ في الموزون، حصل أيضاً في الميزان، فيقال مثلاً في وزن جاه‏:‏ عَفَل، بتقديم العين على الفاء‏.‏

ويُعرف القلب بأمور خمسة‏:‏

الأوَّل‏:‏ الاشتقاق‏:‏ كناء بالمد، فإن المصدر وهو النَّأي، دليل على أن ناء الممدود مقلوب نأي، فيقال‏:‏ ناء على وزن فَلَعَ، وكما في جاه، فإن ورود وَجُه ووُجْهة، دليل على أن جاه مقلوب وَجْه، فيقال‏:‏ جاه على وزن عَفَلَ‏.‏ وكما في قِسِي، فإن ورود مفرده وهو قَوْس، دليل على أنه مقلوب قُووس، فقُدِّمت اللام في موضع العين، فصار قُسُوْوٌ على وزن فُلُوعٌ، فقلبت الواو الثانية ياء لوقوعها طرفاً، والواو الأولى لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وكُسرت السين لمناسبة الياء، والقاف لعسر الانتقال من ضم إلى كسر، وكما في حادي أيضاً، فإن ورود وحْدَة دليل على أنه مقلوب واحد، فوزن حادي‏:‏ عالف‏.‏

الثاني‏:‏ التصحيح مع وجود موجب الإعلال كما في أيس، فإن تصحيحه مع وجود الموجب وهو تحرك الياء وانفتاح ما قبلها، دليل على أنه مقلوب، يَئِسَ، فيقال‏:‏ أيِسَ على وزن عَفِلَ، ويُعرف القلب هنا أيضاً بأصله، وهو اليَأس‏.‏

الثالث‏:‏ نُدْرَة الاستعمال، كآرام جمع رِئم، وهو الظَّبي، فإن نُدْرَته وكثرة أرآم، دليل على أنه مقلوب أرآم، ووزن أرآم‏:‏ أفعال، فقدمت العين التي هي الهمزة الثانية، في موضع الفاء، وسُهِّلَتْ فصارت آرام، فوزنه‏:‏ أعْفَال‏.‏ وكذا آراء، فإنه على وزن أعفال، بدليل مفرده، وهو الرأي‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن علامة القلب هنا ورود الأصل، وهو رئم ورأي‏.‏

الرَّابع‏:‏ أن يترتب على عدم القلب وجود همزتين في الطرف، وذلك في كل اسم فاعل من الفعل الأجوف المهموز اللام، كجاء وشاء، فإن اسم الفاعل منه على وزن فاعل، والقاعدة أنه متى أُعلَّ الفعل بقلب عينه ألفاً، أعل اسم الفاعل منه بقلب عينه همزة، فلو لم نقل بتقديم اللام في موضع العين، لزم أن ننطق باسم الفاعل من جاء جائيء بهمزتين، ولذا لزم القول بتقديم اللام على العين، بدون أن تقلب همزة، فتقول‏:‏ جائيٌ بوزن فالع، ثم يُعلّ إعلال قاض، فيقال‏:‏ جاء بوزن فالٍ‏.‏

الخامس‏:‏ أن يترتب على عدم القلب منع الصرف بدون مُقتضٍ، كأشياء فإننا لو لم نقل بقلبها، لزم منع «أفعال» من الصرف بدون مقتضٍ، وقد ورد مصروفاً قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْمَآءٌ سَمّيْتُمُوهَآ‏}‏ ‏(‏النجم‏:‏ 23‏)‏، فنقول أصل أشياء شيْآء على وزن فعلاء، قُدِّمت الهمزة التي هي اللام في موضع الفاء، فصار أشياء على وزن لَفْعَاءَ، فَمنعها من الصرف نظراً إلى الأصل، الذي هو فَعْلاء، ولا شك أن فعلاء من موازين ألف التأنيث الممدودة، فهو ممنوع من الصرف لذلك، وهو المختار‏.‏

الباب الأول‏:‏ في الفعل

وفيه عدّة تقاسيم‏:‏

التقسيم الأوَّل‏:‏ ينقسم الفعل إلى ماض ومضارع وأمر‏:‏

فالماضي‏:‏ ما دلّ على حدوث شيءٍ قبل زمن التكلم، نحو‏:‏ قام، وقعد، وأكل وشرب‏.‏ وعلامته أن يقبل تاء الفاعل نحو‏:‏ قرأت، وتاء التأنيث الساكنة، نحو‏:‏ قَرَأَتْ هِنْد‏.‏

والمضارع‏:‏ ما دلّ على حدوث شيء في زمن التكلم أو بعده، نحو‏:‏ يقرأ ويكتب، فهو صالح للحال والاستقبال‏.‏ ويُعيِّنه للحال لام الابتداء، و«لا» و«ما» النافيتان، نحو‏:‏ ‏{‏إِنّي لَيَحْزُنُنِيَ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 13‏)‏، ‏{‏لاّ يُحِبّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 148‏)‏، ‏{‏وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً‏}‏ ‏(‏لقمان‏:‏ 34‏)‏‏.‏

ويُعيِّنه للاستقبال السين، وسوف ولَنْ، وأَنْ، وإِنْ، نحو‏:‏ ‏{‏سَيَقُولُ السّفَهَآءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 142‏)‏، ‏{‏وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَىَ‏}‏ ‏(‏الضحى‏:‏ 5‏)‏، ‏{‏لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 92‏)‏، ‏{‏وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لّكُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 184‏)‏، ‏{‏إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 160‏)‏‏.‏

وعلامته‏:‏ أن يصح وقوعه بعد «لم»، نحو‏:‏ ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ‏}‏ ‏(‏الإخلاص‏:‏ 3‏)‏‏.‏ ولا بد أن يكون مبدوءاً بحرف من حروف «أنيت»، وتسمى أحرف المضارعة‏.‏

فالهمزة‏:‏ للمتكلم وحده نحو‏:‏ أنا أقرأ‏.‏ والنون‏:‏ له مع غيره، أو للمعظم نفسه نحو‏:‏ نحن نقرأ‏.‏ والياء‏:‏ للغائب المذكر وجمع الغائبة، نحو‏:‏ محمد يقرأ، والنسوة يقرأن‏.‏ والتاء‏:‏ للمخاطب مطلقاً، ومفرد الغائبة ومثناها، نحو‏:‏ أنت تقرأ يا محمد، وأنتما تقرآن، وأنتم تقرؤون، وأنت يا هند تقرئين، وفاطمة تقرأ، والهندان تقرآن‏.‏

والأمر‏:‏ ما يُطلب به حصول شيء بعد زمن التكلم، نحو‏:‏ اجتهدْ، وعلامته أن يقبل نون التوكيد، وياء المخاطبة، مع دلالته على الطلب‏.‏

وأما ما يدل على معاني الأفعال ولا يقبل علاماتها، فيقال له اسم فعل، وهو على ثلاثة أقسام‏:‏ اسم فعل ماض نحو‏:‏ هْيهات، وشتان، بمعنى‏:‏ بَعُد وافترق‏.‏ واسم فعل مضارع‏:‏ كَوَيْ وأُف، بمعنى‏:‏ أتعجب وأتضجر‏.‏ واسم فعل أمر‏:‏ كصهْ، بمعنى‏:‏ اسكت، وآمين بمعنى‏:‏ استجبْ، وهو أكثرها وجوداً‏.‏

التقسيم الثاني للفعل ‏[‏بحسب الصحة والعلة‏]‏

ينقسم الفعل إلى‏:‏ صحيح ومعتِّل‏.‏

فالصحيح‏:‏ ما خلت أصوله من أحرف العلة، وهي الألف، والواو، والياء، نحو‏:‏ كَتَبَ وجَلَس‏.‏ ثم إنَّ حرف العلة إن سكن وانفتح ما قبله يسمى لِينا‏:‏ كثَوْب وسَيْف، فإن جانسه ما قبله من الحركات يسمى مدّاً، كقال يقُول قيلاً؛ فعلى ذلك لا تنفك الألف عن كونها حرف علَّة، ومدٍّ، ولين، لسكونها وفتح ما قبلها دائماً، بخلاف أختيها‏.‏

والمعتلّ‏:‏ ما كان أحد أصوله حرف علَّة نحو‏:‏ وجد وقال وسعى‏.‏

ولكل من الصحيح والمعتلّ أقسام‏:‏

أقسام الصحيح

ينقسم الصحيح إلى‏:‏ سالم، ومضعَّف، ومهموز‏.‏

فالسالم‏:‏ ما سلمت أصوله من أحرف العلة والهمز، والتضعيف، كضرب ونصر وقعد وجلس، فإذن يكون كل سالم صحيحاً، ولا عكس‏.‏

والمضعَّف‏:‏ ويقال له الأصم لشدته، ينقسم إلى قسمين‏:‏ مُضعَّف الثلاثيّ ومزيده، ومضعَّف الرُّباعيّ‏.‏ فمضعَّف الثلاثيّ ومزيده‏:‏ ما كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد، نحو‏:‏ فرّ ومدّ وامتدّ واستمدّ، وهو محل نظر الصرفي‏.‏ ومضعَّف الرُّباعيّ‏:‏ ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس، كزلزل، وعَسْعَس، وقَلْقَل‏.‏

والمهموز‏:‏ ما كان أحد أصوله همزة نحو‏:‏ أخذ، وسأل، وقرأ‏.‏

أقسام المعتلّ

ينقسم المعتلّ إلى‏:‏ مثال، وأجوف، وناقص، ولفيف‏.‏

فالمثال‏:‏ ما اعتلت فاؤه، نحو‏:‏ وَعَدَ، ويَسَرَ، وسُمِّي بذلك لأنه يماثل الصحيح في عدم إعلال ماضيه‏.‏

والأجوف‏:‏ ما اعتلت عينه، نحو‏:‏ قَال، وبَاع، وسُمِّي بذلك لخلو جوفه، أي وسطه من الحرف الصحيح‏.‏ ويسمى أيضاً ذا الثلاثة، لأنه عند إسناده لتاء الفاعل يصير معها على ثلاثة أحرف، كقلت، وبعت في قال وباع‏.‏

والناقص‏:‏ ما اعتلت لامه، نحو‏:‏ غزا ورمى، وسُمِّي بذلك لنقصانه بحذف آخره في بعض التصاريف، كغَزَتْ، ورَمَتْ ويسمى أيضاً ذا الأربعة، لأنه عند إسناده لتاء الفاعل يصير معها على أربعة أحرف، نحو‏:‏ غَزَوْتُ ورَمَيْتُ‏.‏

واللفيف‏:‏ قسمان، مفروق‏:‏ وهو ما اعتلت فاؤه ولامه، نحو‏:‏ وَفى ووَفي، وسُمِّي بذلك لكون الحرف الصحيح فارقاً بين حرفي العلة؛ ومقرون‏:‏ وهو ما اعتلت عينه ولامه، نحو‏:‏ طَوَىَ ورَوَىَ، وسُمِّي بذلك لاقتران حرفي العلة ببعضهما‏.‏

وهذه التقاسيم التي جرت في الفعل، تجري أيضاً في الاسم، نحو‏:‏ شمس ووجه ويُمْن، وقَوْل، وسيف، ودلو، وظَبْي، ووَحْي، وجَو، وَحَي، وأمْر، وبئر، ونبأ، وجد، وبلبل‏.‏

التقسيم الثالث للفعل بحسب التجرد والزيادة وتقسيم كلّ

ينقسم الفعل إلى‏:‏ مجرَّد ومزيد‏.‏

فالمجرَّد‏:‏ ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط حرف منها في تصاريف الكلمة بغير علَّة؛ والمزيد‏:‏ ما زيد فيه حرف أو أكثر على حروفه الأصلية‏.‏

والمجرَّد قسمان‏:‏ ثلاثيّ ورباعي‏.‏ والمزيد قسمان‏:‏ مزيد الثلاثيّ، ومزيد الرُّباعيّ‏.‏ أما الثلاثيّ المجرَّد فله باعتبار ماضيه فقط‏:‏ ثلاثة أبواب، لأنه دائماً مفتوح الفاء، وعينه إما أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، نحو‏:‏ نَصَرَ وضَرَبَ وفَتَحَ، ونحو كَرُم، ونحو فَرِحَ وحَسِبَ‏.‏

وباعتبار الماضي مع المضارع له ستة أبواب، لأن عين المضارع إما مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة، وثلاثة في ثلاثة بتسعة، يمتنع كسر العين في الماضي مع ضمها في المضارع، وضم العين في الماضي مع كسرها أو فتحها في المضارع، فإذن تكون أبواب الثلاثيّ ستة‏.‏

الباب الأول‏:‏ فَعَل يَفعُل

بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع كنَصَرَ يَنْصُر، وقَعَدَ يَقْعُدُ، وأخذ يَأْخُذُ، وبرأ يَبْرُؤ، وقال يقول، وغَزَا يغْزُو، ومَرَّ يَمُرُّ‏.‏

الباب الثاني‏:‏ فَعَل يَفْعِل

بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، كضَرَب يضْرِب، وجَلَسَ يَجْلِسُ، ووَعَد يَعِد، وباع يبيع، ورَمى يَرمِي، ووقى يَقِي، وطَوَى يَطْوِي، وفَرَّ يَفِرُّ، وأتى يأتي، وجاء يجيء، وأبَر النخل يأبِرُه، وهَنَأ يهنئ، وأَوى يَأوي، ووَأى يَئي، بمعنى وعد‏.‏

الباب الثالث‏:‏ فَعَل يَفْعَل

بالفتح فيهما، كفتَح يفتَح، وذَهب يذهَب، وسَعى يَسْعى، ووَضعَ يضَع، ويفَع يَيْفَعُ، ووَهَلَ يَوْهَل، وألَهَ يألَه، وسَأل يَسْأل، وَقَرأ يقرأُ‏.‏

وكل ما كانت عينه مفتوحة في الماضي والمضارع، فهو حلقي العين أو اللام‏.‏ وليس كل ما كان حلقياً كان مفتوحاً فيهما‏.‏

وحروف الحلق ستة‏:‏ الهمزة، والهاء، والحاء، والخاء، والعين، والغين‏.‏

وما جاء من هذا الباب دون حرف حلقي فشاذّ، كأَبى يأَبى، وهلَكَ يَهْلِك، في إحدى لغتيه، أو من تداخل اللغات كرَكَن يرْكن، وقَلَى يَقْلَى‏:‏ غير فصيح، وبَقَى يَبْقَى‏:‏ لغة طيِّء، والأصل كسر العين في الماضي، ولكنهم قلبوه فتحة تخفيفاً، وهذا قياس عندهم‏.‏

الباب الرابع‏:‏ فَعِل يَفْعَل

بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، كفَرِح يَفْرَح، وعلِم يعْلَم، ووجِل يَوْجَل، ويَبِس يَيْبَس، وخاف يَخاف، وهاب يَهاب، وغيدَ يغْيَد، وعَوِر يَعْوَر، ورَضِي يَرْضَى، وقَوِي يَقْوَى، ووَجِي يَوْجَي، وعَضَّ يَعَضَ، وأَمِنَ يَأْمَن، وسَئِم يَسْأَم، وصَدِئ يَصْدَأ‏.‏

ويأتي من هذا الباب الأفعال الدالَّة على الفرح وتوابعه، والامتلاء والخُلْو، والألوان والعيوب، والخلق الظاهرة التي تذكر لتحلية الإنسان في الغَزَل‏:‏ كفرِحَ وطرِب وبطِرَ وأشر، وكغضب وحزن، وكشبع وروي، وسَكِر، وكعطِش وظمِئ، وصَدِيَ وَهَيِم، وكحَمِر وسَوِد، وكعور وعَمِشَ، وجَهرِ وكغَيد وهيَف ولمِيَ‏.‏

الباب الخامس‏:‏ فعُل يفعُل

بضم العين فيهما، كشرُف يَشْرُف، وحسُن يَحْسُن، ووسُم يوسُم، ويَمُن ييمُن، وأسُل يأسُل، ولؤُم يلؤُم، وجرُؤ يجْرؤُ، وسَرُوَ يَسْرُو‏.‏

ولم يرد من هذا الباب يائي العين إلاَّ لفظة هَيُؤَ‏:‏ صار ذا هيئة، ولا يائي اللام وهو متصرف إلاَّ نَهُو‏:‏ من النُّهْية، بمعنى العقل، ولا مضاعفاً إلاَّ قليلاً كشَرَرْت مُثَلَّثَ الراء، ولَبْبْت، بضم العين وكسرها، والمضارع تَلَبُّ، بفتح العين لا غير‏.‏

وهذا الباب للأوصاف الخِلْقية وهي التي لها مكث‏.‏

ولك أن تحول كل فعل ثلاثيّ إلى هذا الباب للدلالة على أن معناه صار كالغريزة في صاحبه، وربما استعملت أفعال هذا الباب للتعجب فتنسلخ عن الحدث‏.‏

الباب السادس‏:‏ فعِل يَفْعِل

بالكسر فيهما، كحسِب يَحسِب، ونعِم ينعِم، وهو قليل في الصحيح كثير في المعتلَّ، كما سيأتي‏.‏

تنبيهات

الأوَّل‏:‏ كل أفعال هذه الأبواب تكون متعدية ولازمة، إلاَّ أفعال الباب الخامس فلا تكون إلاَّ لازمة‏.‏ وأما رَحْبَتْك الدارُ فعلى التوسع، والأصل رَحُبَتْ بك الدارُ، والأبواب الثلاثة الأولى تسمى دعائم الأبواب، وهي في الكثرة على ذلك الترتيب‏.‏

الثَّاني‏:‏ أن فَعَلَ المفتوح العين، إن كان أوَّله همزة أو واواً، فالغالب أنه من باب ضرب، كأسَر يأسِر، وأَتَى يأتي، ووعد يعِد، ووزَن يزِن، ومن غير الغالب‏:‏ أخَذ وأكَل ووهَل‏.‏ وإن كان مضاعفاً فالغالب أنه من باب نصر، إن كان متعدِّياً كَمَدّه يَمُدُّه، وصدّه يَصُدُّه‏.‏ ومن باب ضرب، إن كان لازماً، كخَفَّ يخَفُّ، وشذَّ يَشذُّ، بالذال المعجمة‏.‏

الثَّالث‏:‏ مما تقدَّم من الأمثلة تعلم‏:‏

1- أن المضاعف يجيء من ثلاثة أبواب‏:‏ من باب نصر وضرب وفرح، نحو‏:‏ سرّه يسرُّه، وفرَّ يفرُّ، وعضَّه يعَضُّه‏.‏

2- ومهموز الفاء يجيء من خمسة أبواب‏:‏ من باب نصر وضرب وفتح وفرح وشرُف، نحو‏:‏ أخذ يأخُذ، وأسَرَ يأسر، وأهَب يأهَبُ، وأمِن يأمَن، وأسُل يأسُل‏.‏

3- ومهموز العين يجيء من أربعة أبواب‏:‏ من باب ضرب وفتح وفرح وشرُف، نحو‏:‏ وأى يَئي، وسأل يسأل، وسئم يسأل، ولَؤُم يَلْؤُم‏.‏

4- ومهموز اللام يجيء من خمسة أبواب‏:‏ من باب نصر وضرب وفتح وشرُف نحو‏:‏ بَرَأ يبرُؤ، وهَنَأ يهنئ، وقَرَأ يقرَأ، وصدئ يَصْدَأ، وجرُؤ يجرُؤ‏.‏

5- والمثال يجيء من خمسة أبواب‏:‏ من باب ضرب وفتح وفرح وشرُف وحسب، نحو‏:‏ وعَد يعِد، ووهِل يَوْهَل، ووجِل يوجَل، ووسُم يَوْسُم، وورِث يرِث، وقد ورد من باب نصر لفظة واحدة في لغة عامرية‏:‏ وهي وَجَدَ يَجُد قال جرير‏:‏

لو شِئتِ قد نَقَعَ الفُؤادُ بِشَرْبَةٍ *** تَدَعُ الصَّوَادِي لا يَجُدْنَ غَليلا

رُوي بضم الجيم وكسرها‏.‏ يقول لمحبوبته‏:‏ لو شئت قد روي الفؤاد بشربة من ريقك تترك الصَّوَادِي أي العطاش لا يجدن حرارة العطش‏.‏

6- والأجوف يجيء من ثلاثة أبواب‏:‏ من باب نَصَر وضرب وفرح، نحو‏:‏ قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وغَيِد يَغْيَد، وعَور يعوَر، إلاَّ أن شرطه أن يكون في الباب الأوَّل واوياً، وفي الثاني يائياً، وفي الثالث مطلقاً، وجاء طال يطول فقط من باب شرُف‏.‏

7- والناقص يجيء من خمسة أبواب‏:‏ من باب نصر وضرب وفتح وفرح وشرف، نحو‏:‏ دعا ورمى وسعى ورضى وسرُو، ويشترط في الناقص من الباب الأوَّل والثاني ما اشترط في الأجوف منهما‏.‏

8- واللفيف المفروق يجيء من ثلاثة أبواب‏:‏ من باب شرب وفرح وحسب، نحو‏:‏ وَفَى يَفِي، ووجِيَ يَوْجَي، وولِيَ يَلِي‏.‏

9- واللفيف المقرون‏:‏ يجيء من بابي ضرب وفرح، نحو‏:‏ روَى يرْوي، وقوىَ يَقْوَى، ولم يرد يائي العين واللام إلاَّ في كلمتين من باب فرح، هما عَيِيَ، وحَيِيَ‏.‏

الرَّابع‏:‏ الفعل الأجوف، إن كان بالألف في الماضي، وبالواو في المضارع، فهو من باب نصر، كقال يقول، ما عدا طال يطول، فإنه من باب شرُف، وإن كان بالألف في الماضي وبالياء في المضارع، فهو من باب شرب كباع يبيع، وإن كان بالألف أو بالياء أو بالواو فيهما، فهو من باب فرح، كخاف يخاف، وغَيِدَ يَغيد، وعوِر يَعور‏.‏

والناقص إن كان بالألف في الماضي وبالواو في المضارع، فهو من باب نصر، كدعا يدعو، وإن كان بالألف في الماضي وبالياء في المضارع، فهو من باب ضرب، كرمى يرمي، وإن كان بالألف فيهما، فهو من باب فتح، كسعَى يسعَى، وإن كان بالواو فيهما، فهو من باب شرف، كسرُو يسرُو، وإن كان بالياء فيهما، فهو من باب حسب كوَلِيَ يَلِي، وإن كان بالياء في الماضي والألف في المضارع، فهو من باب فرح، كرضِي يرضَى‏.‏

الخامس‏:‏ لم يرد في اللغة ما يجب كسر عينه في الماضي والمضارع إلاَّ ثلاثة عشر فعلاً، وهي‏:‏ وثِقَ به، ووجد عليه‏:‏ أي حزن، وورِث المال، وورِع عن الشبهات، وورِك‏:‏ أي اضطجع، وورِم الجُرح، وورِي المخ‏:‏ أي اكتنز، ووعِق عليه‏:‏ أي عجل، ووفِق أمره‏:‏ أي صادفه موافقاً، ووقِه له‏:‏ أي سمع، ووكِم‏:‏ أي اغتمَّ، وولِي الأمر، وومِق‏:‏ أي أحب‏.‏

وورد أحد عشر فعلاً، تُكْسَر عينها في الماضي، ويجوز الكسر والفتح في المضارع، وهي‏:‏ بَئِس، بالباء الموحدة، وحسِب، ووبق‏:‏ أي هلك، ووحمتِ الحُبْلَى، ووحِرَ صدره، ووَغِر‏:‏ أي اغتاظ فيهما، وولغ الكلب، وولِه، ووهِل‏:‏ أي اضطرب فيهما، ويئِس منه، ويبِس الغصن‏.‏

السادس‏:‏ كون الثلاثيّ على وزن معين من الأوزان الستة المتقدمة سماعي، فلا يعتمد في معرفتها على قاعدة، غير أنه يمكن تقريبه بمراعاة هذه الضوابط‏.‏ ويجب فيه مراعاة صورة الماضي والمضارع معاً، لمخالفة صورة المضارع للماضي الواحد كما رأيت، وفي غيره تراعي صورة الماضي فقط، لأن لكل ماض مضارعاً لا تختلف صورته فيه‏.‏

السابع‏:‏ ما بُني من الأفعال مطلقاً للدلالة على الغلَبَة في المفاخرة، فقياس مضارعه ضم عينه، كسابقني زيد فسبقته، فأنا أسبُقه، ما لم يكن واويَّ الفاء، أو يائي العين أو اللام، فقياس مضارعه كسر عينه، كواثبته فوَثَبْته فأنا أثِبه، وبايعته فبِعته فأنا أبيعه، وراميته فرميته فأنا أرمِيه‏.‏

أوزان الرُّباعيّ المجرَّد وملحقاته

للرباعي المجرَّد وزن واحد وهو فعلل، كدحرج يدحرج، ودَرْبَخَ يدربخ‏.‏ ومنه أفعال نحتتها العرب من مركبات فتحفظ ولا يقاس عليها، كبسمل إذا قال‏:‏ بسم اللّه، وحوقل إذا قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلاَّ باللّه، وطلبق إذا قال‏:‏ أطال اللّه بقاءك، ودمعز إذا قال‏:‏ أدام اللّه عزك، وجعفل إذا قال‏:‏ جعلني اللّه فداءك‏.‏

وملحقاته سبعة‏:‏

الأوَّل‏:‏ فعلل كجلبَبَه‏:‏ أي ألبسه الجلباب‏.‏

الثَّاني‏:‏ فوعل كجوربه‏:‏ أي ألبسه الجورب‏.‏

الثَّالث‏:‏ فعْوَل كرَهْوَك في مشيته‏:‏ أي أسرع‏.‏

الرَّابع‏:‏ فَيْعَل كبَيْطَر‏:‏ أي أصلح الدواب‏.‏

الخامس‏:‏ فعْيَلَ كشَرْيَف الزرع‏:‏ قطع شريانَه‏.‏

السادس‏:‏ فَعْلىَ كسَلْقَى، إذا إستلقى على ظهره‏.‏

السابع‏:‏ فَعْنَل كقَلْنَسَهُ‏:‏ ألبسه القلنسوة‏.‏

والإلحاق‏:‏ أن تزيد في البناء زيادة لتلحقه بآخر أكثر منه، فيتصرف تصرفه‏.‏

أوزان الثلاثيّ المزيد فيه

الفعل الثلاثيّ المزيد فيه ثلاثة أقسام‏:‏ ما زيد فيه حرف واحد، وما زيد فيه حرفان، وما زيد فيه ثلاثة أحرف‏.‏ فغاية ما يبلغ الفعل بالزيادة ستة؛ بخلاف الاسم، فإنه يبلغ بالزيادة سبعة، لثقل الفعل، وخفة الاسم، كما سيأتي، فالذي زيد فيه حرف واحد، يأتي على ثلاثة أوزان‏:‏

الأوَّل‏:‏ أفْعَلَ كأكرم، وأولى وأعطى وأقام وآتى وآمن وأقّر‏.‏

الثَّاني‏:‏ فاعَلَ، كقاتل، وآخذ، ووالى‏.‏

الثَّالث‏:‏ فَعَّلَ بالتضعيف، كفرَّح وزكَّى وولَّى وبَرَّأ‏.‏

والذي زيد فيه حرفان يأتي على خمسة أوزان‏:‏

الأوَّل‏:‏ انفعَلَ، كانكسر وانشقَّ وانقاد وانمحى‏.‏

الثَّاني‏:‏ افتعلّ كاجتمع واشتقَّ، واحتار، وادَّعى واتَّصل واتَّقى واصطبر واضطرب‏.‏

الثَّالث‏:‏ افْعّلَّ، كأحمرَّ وأصفرَّ وأعورَّ‏.‏ وهذا الوزن يكون غالباً في الألوان والعيوب؛ وندر في غيرهما نحو‏:‏ ارفضَّ عرَقاً، واخضلَّ الروضُ، ومنه ارْعَوَى‏.‏

الرَّابع‏:‏ تَفَعَّل، كتعلَّم وتزكَّى، ومنه اذَّكَّر واطَّهر‏.‏

الخامس‏:‏ تَفاعَلَ كتباعَدَ وتشاوَرَ، ومنه تبارك وتعالى، وكذا اثَّاقل وادَّارك‏.‏

والذي زيد فيه ثلاثة أحرف يأتي على أربعة أوزان‏:‏

الأوَّل‏:‏ استفْعَلَ، كاستخرج واستقام‏.‏

الثَّاني‏:‏ افْعَوعَلَ، كاغدودن الشعر‏:‏ إذا طال، واعشوشب المكان‏:‏ إذا كثر عُشْبه‏.‏

الثَّالث‏:‏ افعالَّ، كإحمارّ واشهابَّ‏:‏ قويت حُمرته وشُهبته‏.‏

الرَّابع‏:‏ افْعَوَّلَ كاجلوَّذ‏:‏ إذا أسرع، واعلَوَّط‏:‏ أي تعلق بعنق البعير فركبه‏.‏

أوزان الرُّباعيّ المزيد فيه وملحقاته

ينقسم الرُّباعيّ المزيد فيه إلى قسمين‏:‏ ما زيد فيه حرف واحد، وما زيد فيه حرفان، فالذي زيد فيه حرف واحد، وهو تفَعللَ كتدحرج، والذي زيد فيه حرفان وزنان‏:‏

الأوَّل‏:‏ افعنلَلَ، كاحرنجم‏.‏

والثاني‏:‏ افعلَلَّ، كاقشعرّ، واطمأنَّ‏.‏

والملحق بما زيد فيه حرف واحد يأتي على ستة أوزان‏:‏

الأوَّل‏:‏ تفعللَ، كتجلببَ‏.‏

الثَّاني‏:‏ تفعولَ، كتَرَهْوَكَ‏.‏

الثَّالث‏:‏ تُفَيْعَل، كتَشَيْطَن‏.‏

الرَّابع‏:‏ تَفَوْعَل، كتجوربَ‏.‏

الخامس‏:‏ تَمَفْعَل، كتمسكن‏.‏

السادس‏:‏ تفَعَلَى، كتَسَلَقى‏.‏

والملحق بما زيد فيه حرفان وزنان‏:‏

الأوَّل‏:‏ افعنلَلَ، كاقعنسَس‏.‏

والثاني‏:‏ افعنلَى، كاسلنقى‏.‏

والفرق بين وزني احرنجم واقعنسس، أن اقعنسَسَ إحدى لاميه زائدة للإلحاق، بخلال احرنجم، فإنهما فيه أصليتان‏.‏

تنبيهان

الأوَّل‏:‏ ظهر لك مما تقدَّم أن الفعل باعتبار مادته أربعة أقسام‏:‏ ثلاثيّ ورباعي وخُماسيّ وسداسي، وباعتبار هيئته الحاصلة من الحركات والسكنات‏:‏ سبعة وثلاثون باباً‏.‏

الثَّاني‏:‏ لا يلزم في كل مجرَّد أن يستعمل له مزيد، ولا في كل مزيد أن يستعمل له مُجرَّد، ولا فيما استعمل فيه بعض المزيدات، أن يستعمل فيه البعض الآخر، بل المدار في كل ذلك على السماع‏.‏ ويستثنى من ذلك الثلاثيّ اللازم، فتَطَّرِدُ زيادة الهمزة في أوَّله للتعدية، فيقال في ذهب أذهب، وفي خرج أخرج‏.‏

فصل في معاني صيغ الزوائد

1- أفْعَلَ‏:‏ تأتي لعدة معان‏:‏

الأوَّل‏:‏ التَّعدية، وهي تصيير الفاعل بالهمزة مفعولاً، كأقمت زيداً وأقعدته وأقرأته، الأصل قام زيد وقعد وقرأ، فلما دخلت عليه الهمزة صار زيد مُقاماً مُقْعَداً مُقْرَأ‏.‏ فإذا كان الفعل لازماً صار بها متعدِّياً لواحد، وإذا كان متعدِّياً لواحد صار بها متعدِّياً لاثنين، وإذا كان متعدِّياً لاثنين صار متعدِّياً لثلاثة‏.‏ ولم يوجد في اللغة ما هو متعدِّ لاثنين، وصار بالهمزة متعدِّياً لثلاثة، إلاَّ رأى وعَلِمَ، كرأى وعلم زيد بكراً قائماً، تقول‏:‏ أريتُ أو أعلمتُ زيداً بكر قائماً‏.‏

الثَّاني‏:‏ صيرورة شيء ذا شيء، كألبن وأتمر وأفلس، صار ذا لبن وتمر وفلوس‏.‏

الثَّالث‏:‏ الدخول في شيء، مكاناً كان أو زماناً، كأَشْأَم وأَعْرَق، وأصْبَح وأمْسَى، أي دخل في الشام والعراق والصباح والمساء‏.‏

الرَّابع‏:‏ السلب والإزالة، كأقذيت عين فلان، وأعجمْتُ الكتاب‏:‏ أي أزلت القذى عن عينه، وأزلت عُجمة الكتاب بنقطه‏.‏

الخامس‏:‏ مصادفة الشيء على صفة، كأحمدت زيداً وأكرمته وأبخلته‏:‏ أي صادفته محموداً أو كريماً أو بخيلاً‏.‏

السادس‏:‏ الاستحقاق، كأَحْصَدَ الزرع، وأَزْوَجَتْ هند‏:‏ أي استحق الزرع الحصاد، وهند الزَّواج‏.‏

السابع‏:‏ التعريض، كأرْهَنْتُ المتاع وأبَعْتُهُ‏:‏ أي عرضته للرهن والبيع‏.‏

الثامن‏:‏ أن يكون بمعنى استفعل، كأعظمته‏:‏ أي استعظمته‏.‏

التاسع‏:‏ أن يكون مطاعاً لفَعَّل بالتشديد نحو‏:‏ فطَّرته فأفطر وبشَّرته فأبشر‏.‏

العاشر‏:‏ التمكين، كأحفرته النهر‏:‏ أي مكَّنْتُه من حَفْرِه‏.‏

وربما جاء المهموز كأصله، كسَرَى وأسْرَى، أو أغنى عن أصله لعدم وروده، كأفلح‏:‏ أي فاز، وندر مجيء الفعل متعدِّياً بلا همزة، ولازماً بها، كنَسَلْتُ ريش الطائر، وأَنْسَل الريش، وعرضت الشيء‏:‏ أظهرته، وأعرض الشيء‏:‏ ظهر، وكبَبْتُ زيداً على وجهه، وأكَبَّ زيد على وجهه، وقَشَعَتِ الريحُ السحاب، وأقشعَ السحابُ قال الشاعر‏:‏

كما أبْرَقَتْ قَوماً عِطاشاً سَحابة *** فلمَّا رأوها أَقْشَعَتْ وَتَجلَّتِ

2- وفَاعَل‏:‏ يكثر استعماله في معنيين‏:‏

أحدهما‏:‏ التشارك بين اثنين فأكثر، وهو أن يفعل أحدهما بصاحبه فعلاً فيقابله الآخر بمثله، وحينئذ فيُنسب للبادئ نسبة الفاعلية وللمقابل نسبة المفعولية، فإذا كان أصل الفعل لازماً صار بهذه الصيغة متعدِّياً نحو‏:‏ ماشيته، والأصل مَشَيْت ومشى، وفي هذه الصيغة معنى المغالبة، ويدل على غلبة أحدهما بصيغة فَعَل من باب نَصَر ما لم يكن واوي الفاء، أو يائي العين أو اللام، فإنه يدل على الغلبة من باب ضَرَب كما تقدَّم، ومتى كان فعلل للدلالة على الغلبة كان متعدِّياً، وإن كان أصله لازماً، وكان من باب نصر أو ضرب على ما تقدَّم من أي بابٍ كان‏.‏

وثانيهما‏:‏ الموالاة، فيكون بمعنى أفعل المتعدي، كواليت الصوم وتابعته، بمعنى أوليت وأتبعتُ بعضه بعضاً‏.‏

وربما كان بمعنى فعَّلَ المضعَّف للتكثير كضاعفت الشيء وضعّفته، وبمعنى فَعَلَ، كدافع ودَفع، وسافر وسفَر، وربما كانت المفاعلة بتنزيل غير الفعل منزلته، كـ‏:‏ ‏{‏يخادعون اللّه‏}‏، جعلت معاملتهم للّه بما انطوت عليه نفوسهم من إخفاء الكفر وإظهار الإسلام، ومجازاته لهم مخادعة‏.‏

3- وفَعَّلَ‏:‏ يكثر استعمالها في ثمانية معان، تشارك أفعل في اثنين منها، وهما التَّعدية، كقوَّمت زيداً وقعَّدته، والإزالة كجَرَّبتُ البعير، وقشَّرْتُ الفاكهة‏:‏ أي أزلت جربه وأزلت قشرها‏.‏

وتنفرد بستة‏:‏

أولها‏:‏ التكثير في الفعل، كجَوَّل وطوَّف‏:‏ أكثر الجولان والطوفان، أو في المفعول، كغلَّقَتِ الأبواب، أو في الفاعل، كموّتَتِ الإبل، وبرَّكَتْ‏.‏

وثانيها‏:‏ صيرورة شيء شبه شيء، كقوَّس زيدٌ، وحجَّر الطين‏:‏ أي صار شبه القوس في الانحناء، والحجر في الجمود‏.‏

وثالثها‏:‏ نسبة الشيء إلى أصل الفعل، كفَسَّقْتُ زيداً أو كفَّرته‏:‏ نسبته إلى الفسق أو الكفر‏.‏

ورابعها‏:‏ التوجه إلى الشيء، كشرَّقتُ أو غرَّبت‏:‏ توجهت إلى الشرق أو الغرب‏.‏

وخامسها‏:‏ اختصار حكاية الشيء، كهلَّل وسبَّح ولبَّى وأمَّن، إذا قال‏:‏ لا إله إلاَّ اللّه وسبحان اللّه ولبيك وآمين‏.‏

وسادسها‏:‏ قبول الشيء، كشفَّعت زيداً‏:‏ قبلت شفاعته‏.‏

وربما ورد بمعنى أصله أو بمعنى تفعَّل، كولَّى وتولَّى وفكَّر وتفكَّر‏.‏ وربما أغنى عن أصله لعدم وروده، كعيَّرَهُ‏:‏ إذا عابه، وعجَّزَتْ المرأة‏:‏ بلغت السن العالية‏.‏

4- وانْفَعَلَ‏:‏ يأتي لمعنى واحد هو‏:‏ المطاوعة‏.‏ ولهذا لا يكون إلاَّ لازماً ولا يكون إلاَّ في الأفعال العلاجية، ويأتي لمطاوعة الثلاثيّ كثيراً كقطعته فانقطع، وكسرته فانكسر، ولمطاوعة غيره قليلاً، كأطلقته فانطلق وعدلَّته- بالتضعيف- فانعدل، ولكونه مختصاً بالعلاجيات لا يقال‏:‏ علَّمته فانعلم، ولا فهمته فانفهم‏.‏

والمطاوعة هي قبول تأثير الغير‏.‏

5- وافْتَعَلَ‏:‏ اشتهر في ستة معان‏:‏

أحدها‏:‏ الاتخاذ، كاختتم زيد، واختدم‏:‏ اتخذ له خاتماً وخادماً‏.‏

وثانيها‏:‏ الاجتهاد والطلب، كاكتسب واكتتب‏:‏ أي اجتهد وطلب الكسب والكتابة‏.‏

وثالثها‏:‏ التشارك، كاختصم زيد وعمرو‏:‏ اختلفا‏.‏

ورابعها‏:‏ الإظهار، كاعتذر واعتظم‏:‏ أي أظهر العُذر والعظمة‏.‏

وخامسها‏:‏ المبالغة في معنى الفعل، كاقتدر وارتد‏:‏ أي بالغ في القدرة والرَّدَّة‏.‏

وسادسها‏:‏ مطاوعة الثلاثيّ كثيراً، كعدلته فاعتدل، وجمعته فاجتمع‏.‏

وربما أتى مطاوعاً للمضعَّف ومهموز الثلاثيّ، كقربته فاقترب، وأنصفته فانتصف‏.‏ وقد يجيء بمعنى أصله لعدم وروده، كارتجل الخطبة، واشتمل الثوب‏.‏

6- وافْعلَّ‏:‏ يأتي غالباً لمعنى واحد، وهو قوة اللون أو العيب، ولا يكون إلاَّ لازماً، كاحمرَّ وابيضَّ واعورَّ واعمشَّ‏:‏ قويت حُمْرَتُه وبياضُه وعَوَرُه وعَمَشُه‏.‏

7- وتَفَعَّل‏:‏ تأتي لخمسة معان‏:‏

أحدها‏:‏ مطاوعة فعَّل مُضعَّف العين، كنبَّهته فتنبَّه، وكسَّرته فتكَسَّر‏.‏

وثانيها‏:‏ الاتخاذ، كتوسد ثوبه‏:‏ اتخذه وسادة‏.‏

وثالثها‏:‏ التكلُّف، كتصبَّر وتحَلَّم‏:‏ تكلف الصَبْرَ والحِلْمَ‏.‏

ورابعها‏:‏ التجنُّب كتحرَّج وتهجَّد‏:‏ تجنب الحَرَج والهُجود، أي النوم‏.‏

وخامسها‏:‏ التدريج، كتجرَّعت الماء، وتحَفَّظْت العلم‏:‏ أي شربت الماء جرعة بعد أخرى، وحفظت العلم مسألة بعد أخرى، وربما أغنت هذه الصيغة عن الثلاثيّ لعدم وروده، كتكلَّم وتصدَّى‏.‏

8- وتَفَاعَلَ‏:‏ اشتهرت في أربعة معان‏:‏

أحدها‏:‏ التشريك بين اثنين فأكثر، فيكون كل منهما فاعلاً في اللفظ، مفعولاً في المعنى، بخلاف فاعَلَ المتقدم، ولذلك إذا كان فاعل المتقدم متعدِّياً لاثنين صار بهذه الصيغة متعدِّياً لواحد كجاذب زيد عمراً ثوباً، وتجاذب زيد وعمرو ثوباً، وإذا كان متعدِّياً لواحد صار بها لازماً كخاصم زيد عمار، وتخاصم زيد وعمرو‏.‏

وثانيها‏:‏ التظاهر بالفعل دون حقيقته، كتَناوَمَ وتَغافَلَ وتَعَامَى‏:‏ أي أظهر النوم والغفلة والعمى، وهي منتفية عنه، قال الشاعر‏:‏

ليسَ الغَبِيُّ بسيِّدٍ فِي قَومِهِ *** لكِنَّ سيِّد قَومِهِ المُتَغَابِي

وقال الحريري‏:‏

ولما تعامىَ الدهرُ وهو أبو الوَرَى *** عـن الرُّشْدِ في أنحائـه ومَقَاصِـدِهِ

تَعَامَيْتُ حتـى قيلَ إني أخو عَمًى *** ولا غُرْوَ أن يَحْذُو الفَتَى حَذْوُ والِـده

وثالثها‏:‏ حصول الشيء تدريجاً، كتزايد النيلُ، وتواردت الإبل‏:‏ أي حصلت الزيادة والورود بالتدريج شيئاً فشيئاً‏.‏

ورابعها‏:‏ مطاوعة فاعَلَ، كباعدته فتباعد‏.‏

9- واستفعل‏:‏ كثر استعمالها في ستة معان‏:‏

أحدهما‏:‏ الطلب حقيقة، كاستغفرت اللّه‏:‏ أي طلبت مغفرته، أو مجازاً كاستخرجت الذهب من المعدن، سُمِّيت الممارسة في إخراجه والاجتهاد في الحصول عليه طلباً، حيث لا يمكن الطلب الحقيقي‏.‏

وثانيها‏:‏ الصيرورة حقيقة، كاستحجر الطين واستحصن المُهْرُ‏:‏ أي صار حجراً وحِصاناً أو مجازاً كقوله‏:‏

إن البُغاث بأرَضِنا يَستَنْسِرُ ***

أي يصير كالنِّسر في القوة، والبُغاثَ‏:‏ طائر ضعيف الطيران، ومعناه‏:‏ إن الضعيف بأرضنا يصير قوياً لاستعانته بنا‏.‏

وثالثها‏:‏ اعتقاد صفة الشيء، كاستحسنت كذا واستصوبته‏:‏ أي اعتقدت حُسنه وصوابه‏.‏

ورابعها‏:‏ اختصار حكاية الشيء، كاسترجع إذا قال‏:‏ إنا للّه وإنا إليه راجعون‏.‏

وخامسها‏:‏ القوة، كاستهتر واستكبر‏:‏ أي قوي هِتْرُه وكِبْرُه‏.‏

وسادسها‏:‏ المصادفة، كاستكرمت زيداً أو استبخلته‏:‏ أي صادفته كريماً أو بخيلاً‏.‏

وربما كان بمعنى أفعَلَ، كأجاب واستجاب، ولمطاوعته كأحكمته فاستحكم، وأقمته فاستقام‏.‏

ثم إن باقي الصيغ تدل على قوة المعنى زيادة عن أصله‏.‏ فمثلاً‏:‏ اعشوشب المكان، يدل على زيادة عُشْبه أكثر من عَشب، واخشوشن يدل على قوة الخشونة أكثر من خَشُن، واحمارَّ يدل على قوة اللون، أكثر من حَمرُ واحمرَّ، وهكذا‏.‏

التقسيم الرابع للفعل بحسب الجمود والتصرف

ينقسم الفعل إلى‏:‏ جامد ومتصرِّف‏.‏

فالجامد‏:‏ ما لازم صورة واحدة؛ والمتصرف‏:‏ ما ليس كذلك‏:‏

والأول‏:‏ إما أن يكون ملازماً للماضي، كليس من أخوات كان، وكرب من أفعال المقاربة، وعسى وحرى واخلولق من أفعال الرجاء، وأنشأ وطفق وأخذ وجعل وعَلِق من أفعال الشروع، ونعم وحبذا في المدح، وبئس وساء في الذم، وخلا وعدا وحاشا في الاستثناء، على خلاف في بعضها؛ وإما أن يكون ملازماً للأمرية، كهبّ وتعلَّمْ ولا ثالِثَ لهما‏.‏

والثاني‏:‏ إما أن يكون تام التصرَّف، وهو ما يأتي منه الماضي والمضارع والأمر‏:‏ كنصر ودحرج؛ أو ناقصه، وهو ما يأتي منه الماضي والمضارع فقط‏:‏ كزال يزال، وبرِح يَبْرحُ، وفَتِئ يَفْتأ، وانفك ينفكُّ، وكاد يكاد، وأوشك يُوْشِك‏.‏

فصل في تصريف الأفعال من بعضها

كيفية تصريف المضارع من الماضي‏:‏ أن يُزاد في أوَّله أحد أحرف المضارعة مضموماً في الرُّباعيّ، كيدحرج مفتوحاً في غيره، كيكتب وينطلِق ويستغفر‏.‏ ثم إن كان الماضي ثُلاثياً، سَكنَتْ فاؤه، وحُرَّكت عينُه بضمة أو فتحة أو كسرة، حسبما يقتضيه نصُّ اللغة، كينصر ويفتح ويضرِب كما تقدَّم‏.‏ وإن كان غير ثلاثيّ، بقي على حاله إن كان مبدوءاً بتاء زائدة، كيتشارك ويتعلم ويتدحرج، وإلا كُسِر ما قبل آخره، كيُعَظِّم ويقاتل، وحذفت الهمزة الزائدة في أوَّله إن كانت، كيكرم ويستخرج‏.‏

وكيفية تصريف الأمر من المضارع‏:‏ أن يُحذف حرف المضارعة، كعَظِّم وتشارك وتعلم، فإن كان أول الباقي ساكناً زيد في أوَّله همزة، كانصُر وافتَحْ واضرِبْ، وأكرمْ وانطلِق واستغفِر‏.‏

التقسيم الخامس للفعل من حيثُ التعدِّي اللزوم

ينقسم الفعل إلى‏:‏ مُتَعَدِّ، ويسمى متجاوِزاَ؛ وإلى لازم‏:‏ ويسمى قاصِراً‏.‏

فالمتعدي عند الإطلاق‏:‏ ما يتجاوز الفاعل إلى المفعول به بنفسه، نحو‏:‏ حفظ محمد الدرس‏.‏ وعلامته أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر، نحو‏:‏ زيد ضربه عمرو، وأن يُصاغ منه اسم مفعول تام، أي غير مقترن بحرف جَرّ أو ظرف نحو‏:‏ مضروب‏.‏

وهو على ثلاثة أقسام‏:‏ ما يتعدى إلى مفعول واحد، وهو كثير، نحو‏:‏ حفظ محمد الدرس وفهم المسألة‏.‏

وما يتعدى إلى مفعولين إما أن يكون أصلهما المبتدأ والخبر، وهو ظن وأخواتها؛ وإمَّا لا، وهو أعطى وأخواتها‏.‏

وما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، وهو باب أعلم وأرى‏.‏

واللازم‏:‏ ما لم يتجاوز الفاعل إلى المفعول به، كقعد محمد وخرج علي‏.‏

وأسباب تعدي الفعل اللازم أصالة ثمانية‏:‏

الأوَّل‏:‏ الهمزة كأكرم زيد عمراً‏.‏

الثَّاني‏:‏ التضعيف كفرَّحتُ زيداً‏.‏

الثَّالث‏:‏ زيادة ألف المفاعلة نحو‏:‏ جالس زيد العلماء، وقد تقدمت‏.‏

الرَّابع‏:‏ زيادة حرف الجر، نحو‏:‏ ذهبت بعلي‏.‏

الخامس‏:‏ زيادة الهمزة والسين والتاء، نحو‏:‏ استخرج زيد المال‏.‏

السادس‏:‏ التَّضمين النحوي، وهو أن تُشْرَب كلمة لازمة معنى كلمة متعدية، لتتعدى تعديتها، نحو‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْزِمُوَاْ عُقْدَةَ النّكَاحِ حَتّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 235‏)‏، ضمن تعزموا معنى تنوُوا، فعُدِّي تعديته‏.‏

السابع‏:‏ حذف حرف الجر توسعاً، كقوله‏:‏

تُمرُّون الدِّيار ولن تَعُوجوا *** كلامُكم عَلَيَّ إذَاً حَرَامُ

ويطرَّد حذفه مع أنَّ وأنْ، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 18‏)‏، ‏{‏أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مّن رّبّكُمْ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 63‏)‏‏.‏

الثامن‏:‏ تحويل اللازم إلى باب نَصَرَ لقصد المغالبة نحو‏:‏ قاعدته فقَعدته فأنا أقعُدُه، كما تقدَّم‏.‏

والحق أن تعدية الفعل سماعية، فما سُمعت تعديته بحرف لا يجوز تعديته بغيره، وما لم تسمع تعديته، لا يجوز أن يُعَدَّى بهذه الأسباب‏.‏ وبعضهم جعل زيادة الهمزة في الثلاثيّ اللازم لقصد تعديته قياساً مطرداً، كما تقدَّم‏.‏

وأسباب لزوم الفعل المتعدِّي أصالةً خمسة‏:‏

الأوَّل‏:‏ التضمين، وهو أن تُشْرِب كلمة متعدية معنى كلمة لازمة لتصير مثلها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 63‏)‏، ضمن يخالف معنى يَخْرُج، فصار لازماً مثله‏.‏

الثَّاني‏:‏ تحويل الفعل المتعدي إلى فعل بضم العين، لقصد التعجب والمبالغة نحو‏:‏ ضرُب زيدٌ‏:‏ أي ما أضْرَبْه‏.‏

الثَّالث‏:‏ صيرورته مطاوعاً، ككسرته فانكسر، كما تقدَّم‏.‏

الرَّابع‏:‏ ضعف العامل بتأخيره كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِن كُنتُمْ لِلرّؤْيَا تَعْبُرُونَ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 43‏)‏‏.‏

الخامس‏:‏ الضرورة كقوله‏:‏

تَبَلَتْ فَؤادكَ فِي المَنَام خَرَيدة *** تَسْقِي الضَّجيعَ ببَارِدٍ بسَّام

أي تسقيه ريقاً بارداً‏.‏

التقسيم السادس للفعل من حيث بناؤه للفاعل أو المفعول

ينقسم الفعل إلى‏:‏ مبني للفاعل، ويُسمى معلوماً‏:‏ وهو ما ذُكر معه فاعله، نحو‏:‏ حفظ محمد الدرس؛ وإلى مبني للمفعول، ويُسمى مجهولاً‏:‏ وهو ما حُذف فاعله، وأُنيب عنه غيره، نحو‏:‏ حُفِظ الدرس‏.‏ وفي هذه الحالة يجب أن تُغَيَّر صورة الفعل عن أصلها، فإن كان ماضياً غير مبدوء بهمزة وصل ولا تاء زائدة، وليست عينه ألفاً، ضُمَّ أوَّله وكُسِرَ ما قبل آخره ولو تقديراً، نحو‏:‏ ضُرب عليّ، ورُد المبيع، فإن كان مبدوءاً بتاء زائدة ضمن الثاني مع الأوَّل، نحو‏:‏ تُعُلِّم الحساب وتُقُوتِلَ مع زيد، وإن كان مبدوءاً بهمزة وصل ضُمَّ الثالث مع الأوَّل، نحو‏:‏ انطُلق بزيد واستُخرج المعدن، وإن كانت عينه ألفاً قلبت ياء وكُسر أوَّله بإخلاص الكسر، أو إشمامه الضم، كما في قال وباع واختار وانقاد، تقول‏:‏ بيع الثوب، وقيل القول، واختير هذا وانقيد له، وبعضهم يُبقي الضم ويقلب الألف واواً كما في قوله‏:‏

لَيْتَ وهل ينفعُ شيئاً لَيْـتُ *** ليتَ شَبَاباً بُوعَ فاشَتريتُ

وقوله‏:‏

حُوكَتْ عَلَى نِيرَيْنِ إذْ تُحَاكُ *** تَخْتَـبِطُ الشَّوكَ ولا تُشَاكُ

رُويا بإخلاص الكسر، وبه مع إشمام الضم، وبالضم الخالص، وتُنْسب اللغة الأخيرة لبني فَقْعَس وَدُبَيْر، وادعى بعضهم امتناعها في انفعل وافتعل‏.‏ هذا إذا أُمِن اللبس، فإن لم يؤمن كُسر أول الأجوف الواويّ، إن كان مضارعه على يفعُل بضم العين، كقول العبد‏:‏ سِمت أي سامني المشتري، ولا تضمَّه لإيهامه أنه فاعل السوم، مع أن فاعله غيره، وضُمّ أول الأجوف اليائي، وكذا الواويّ، إن كان مضارعه على يفعَل بفتح العين، نحو‏:‏ بُعتُ‏:‏

أي باعني سيدي، ولا يُكْسَرُ، لإيهامه أنه فاعل البيع، مع أن فاعله غيره، وكذا خُفْتُ، بضم الخاء، أي أخافني الغير‏.‏

وأوجب الجمهور ضم فاء الثلاثيّ المُضعَّف، نحو‏:‏ شُدَّ ومُدَّ، والكوفيون أجازوا الكسر، وهي لغة بني ضبِّة وقد قُرِئ‏:‏ ‏{‏هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدّتْ إِلَيْنَا‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 65‏)‏، ‏{‏وَلَوْ رُدّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ‏}‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 28‏)‏، بالكسر فيهما، وذلك بنقل حركة العين إلى الفاء، بعد توهم سلب حركتها، وجوَّز ابن مالك الإشمام في المُضعَّف أيضاً حيث قال‏:‏

وما لِبَاعَ قد يُرَى لِنَحْوِ حَبّ ***

وإن كان مضارعاً ضُمَّ أوَّله، وفُتح ما قبل آخره ولو تقديراً، نحو‏:‏ يُضَربُ عليٌّ، ويُرَدُّ المبيع‏.‏

فإن كان ما قبل آخر المضارع مداً، كيقول ويبيع قلب ألفاً، كيُقال ويُباع‏.‏

ولا يُبْنى الفعل اللازم للمجهول إلاَّ مع الظرف أو المصدر المتصرفين المختصين، أو المجرور الذي لم يلزم الجارُّ له طريقة واحدة، نحو‏:‏ سِيرَ يومُ الجُمْعة، وَوُقِف أمامُ الأمير، وجُلِسَ جُلُوسٌ حسن، وفُرِح بقدوم محمد، بخلاف اللازم حالة واحدة، نحو‏:‏ عند وإذا وسبحان ومعاذ‏.‏

تنبيه‏:‏ ورد في اللغة عدة أفعال على صورة المبني للمجهول منها‏:‏

‏(‏عُنِيَ‏)‏ فلان بحاجتك‏:‏ أي اهتم، و‏(‏زُهِيَ‏)‏ علينا‏:‏ أن تكبَّر، و‏(‏فُلِجَ‏)‏‏:‏ أصابه الفالج، و‏(‏حُمَّ‏)‏‏:‏ استحرَّ بدنُه من الحُمَّى، و‏(‏سُلّ‏)‏‏:‏ أصابه السُّل‏.‏ و‏(‏جُنَّ‏)‏ عقله‏:‏ استتر، و‏(‏غُمَّ‏)‏ الهِلال‏:‏ احتجب‏.‏ والخبرُ‏:‏ استعجم، و‏(‏أُغمِيَ‏)‏ عليه‏:‏ غُشِيَ، و‏(‏شُدِهَ‏)‏‏:‏ دَهِشَ وتحيَّر‏.‏ و‏(‏امتُقِع‏)‏ أو ‏(‏انتُقِع‏)‏ لونُهُ‏:‏ تَغَيَّر‏.‏

وهذه الأفعال لا تنفك عن صورة المبني للمجهول، ما دامت لازمة، والوصف منها على مفعول، كما يفهم من عباراتهم، وكأنهم لاحظوا فيها وفي نظائرها أن تنطبق صورة الفعل على الوصف، فأتوا به على فُعِل بالضم، وجعلوا المرفوع بعده فاعلاً‏.‏

ووردت أيضاً عِدَة أفعال مبنية للمفعول في الاستعمال الفصيح، وللفاعل نادراً أو شذوذاً، وهذه مرفوعها يكون بحسب البنية، فمن ذلك بُهِتَ الخَصْمُ وبُهُت، كفرح وكَرُم، وهُزِل وهَزَلَه المرض، ونُخِيَ ونخاه، من النَّخوة، وزُكمَ وزَكَمَه اللّه، ووُعِك ووَعَكَه، وطُلَّ دَمُه وطَلَّهُ، ورُهِصَت الدابة ورَهَصَها الحَجَر، ونُتجَت الناقة ونَتَجَها أهلُها، إلى آخر ما جاء من ذلك، وعدَّه اللغويون من باب عُنِيَ‏.‏

وعلاقة هذا المبحث باللغة أكثر منها بالصرف‏.‏

التقسيم السابع للفعل من حيث كونه مؤكَّداً أو غير مؤكَّد

ينقسم الفعل إلى‏:‏ مؤكد؛ وغير مؤكد‏.‏

فالمؤكَّد‏:‏ ما لحقته نون التوكيد، ثقيلة كانت أو خفيفة، نحو‏:‏ ‏{‏لَيُسْجَنَنّ وَلَيَكُوناً مّن الصّاغِرِينَ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 32‏)‏‏.‏

وغير المؤكد‏:‏ ما لم تلحقه، نحو‏:‏ يُسجن ويكون، فالماضي لا يؤكد مطلقاً وأما قوله‏:‏

دامَنَّ سَعْدُكِ إن رحْمتِ مُتَيَّما *** لولاكِ لم يكُ للصَّبابة جَانِحا

فضرورة شاذَّة، سهَّلها ما في الفعل من معنى الطلب، فعومل معاملة الأمر‏.‏

كما شذَّ توكيد الاسم في قوله‏:‏

أقائِلُنَّ أحْضِروا الشُّهُودَا ***

والأمر يجوز توكيده مطلقاً، نحو‏:‏ اكُتَبن واجْتَهِدَنْ‏.‏

وأما المضارع‏:‏ فله ست حالات‏:‏

الأولى‏:‏ أن يكون توكيده واجباً‏.‏

الثانية‏:‏ أن يكون قريباً من الواجب‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يكون كثيراً‏.‏

الرابعة‏:‏ أن يكون قليلاً‏.‏

الخامسة‏:‏ أن يكون أقل‏.‏

السادسة‏:‏ أن يكون ممتنعا‏.‏

1- فيجب تأكيده إذا كان مُثبتاً مستقبلاً في جواب قسم، غير مفصول من لامه بفاصل، نحو‏:‏ ‏{‏وَتَاللّهِ لأكِيدَنّ أَصْنَامَكُمْ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 57‏)‏، ويجب توكيده باللام والنون عند البصريين، وخُلُوُّه من أحدهما شاذّ أو ضرورة‏.‏

2- ويكون قريباً من الواجب إذا كان شرطاً، لإنَّ المؤكَّدة بما الزائدة، نحو‏:‏ ‏{‏وَإِمّا تَخَافَنّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً‏}‏ ‏(‏الأنفال‏:‏ 58‏)‏، ‏{‏فَإِمّا نَذْهَبَنّ بِكَ‏}‏ ‏(‏الزخرف‏:‏ 41‏)‏، ‏{‏فَإِمّا تَرَيِنّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِيَ إِنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمَنِ صَوْماً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 26‏)‏، ومن ترك توكيده قوله‏:‏

يا صَاح إمَّا تَجدنْي غيرَ ذي جِدَةٍ *** فَمَا التَّخَلَّي عَنِ الخُلاَّنِ مِنْ شِيَمِي

وهو قليل في النثر، يختص بالضرورة‏.‏

3- ويكون كثيراً إذا وقع بعد أداة طلب‏:‏ أمْرِ، أو نَهْي، أو دُعاءٍ، أو عَرْض، أو ثَمَنّ، أو استفهام، نحو‏:‏ ليقومن زيد وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْسَبَنّ اللّهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ‏}‏ ‏(‏إبراهيم‏:‏ 42‏)‏‏.‏

وقول خِرْنِق بنت هَفَّان‏:‏

لا يَبْعُدَنْ قومي الَّذينَ هُمُ *** سمُّ العُداةِ وآفَـةُ الجُزُرِ

وقول الشاعر‏:‏

هلا تَمُنَّنْ بوَعْدٍ غيْرَ مُخْلِفَةٍ *** كَمَا عهِدْتُكِ فِي أيَّامِ ذي سَلَم

وقوله‏:‏

فَلَيْتَكِ يَوْمَ المُلْتَقَى تَرَيِنَّني *** لكَيْ تَعْلَمِي أنِّي امْرُؤ بكِ هائِمُ

وقوله‏:‏

أفَبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيلا ***

ويكون قليلاً إذا كان بعد لا النافية أو ما الزائدة التي لم تسبق بإن الشرطية، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً‏}‏ ‏(‏الأنفال‏:‏ 25‏)‏، وإنما أكِّد مع النافي، لأنه يشبه أداة النهي صورة، وقوله‏:‏

إذا مات منهُم سَيِّدٌ سَرَقَ ابْنُهُ *** وَمِنْ عِضَه ما يَنْبُتَنَّ شَكِيرُها

وكقول حاتم‏:‏

قليلاً به ما يَحْمَدَنَّك وارِثٌ *** إذا نَالَ مما كنْتَ تَجْمَعُ مَغْنَما

وما زائدة في الجميع، وشمل الواقعة بعد رُبَّ، كقوله‏:‏

رُبَّمَـا أوْفَيْـُـت فـي عَلَــمٍ *** تَرْفَعَــنْ ثَوْبــي شَمَــالاتُ

وبعضهم منعها بعدها، لمضي الفعل بعد رُبَّ معنىً، وخصه بعضهم بالضرورة‏.‏

ويكون أقل إذا كان بعد «لم»، وبعد أداة جزاء غير «إمَّا» شرطاً كان المؤكد أو جزاء، كقوله في وصف جبل‏:‏

يَحسَبُهُ الجَاهلْ ما لَم يَعْلَما *** شيخاً عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا

أي يعلمن وكقوله‏:‏

مَنْ تَثْقَفَنْ منهم فليْس بآيبٍ *** أبداً وقَتْلُ بنيِ قتَيبَةَ شَافي

وقوله‏:‏

ومَهْمَا تَشَأ منه فزارةُ تمْنَعَا ***

أي تمنعَنْ‏.‏

5- ويكون ممتنعاً إذا انتفت شروط الواجب، ولم يكن مما سبق، بأن كان في جواب قسم منفي ولو كان النافي مقدراً، نحو‏:‏ تاللّه لا يذهب العرف بين اللّه والناس، ونحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 85‏)‏، أي لا تفتأ، أو كان حالاً كقراءة ابن كثير‏:‏ ‏{‏لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ ‏(‏القيامة‏:‏ 1‏)‏‏.‏

وقول الشاعر‏:‏

يميناً لأُبغِضُ كلَّ امرِئٍ *** يزخرفُ قولاً ولا يفْعَلُ

أو كان مفصولاً من اللام، نحو‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ مّتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 158‏)‏، ونحو‏:‏ ‏{‏وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَىَ‏}‏ ‏(‏الضحى‏:‏ 5‏)‏‏.‏

حكم آخر الفعل المؤكد بنون التوكيد

1- إذا لحقت النون الفعل، فإن كان مسنداً إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير الواحد المذكر فتح آخره لمباشرة النون له ولم يحذف منه شيء سواء كان صحيحاً أو معتلاً، نحو‏:‏ ليَنْصُرَنَّ زيد، وليَقضِيَنّ، وليَغْزُوَنَّ، وليَسْعَيَنَّ، بردِّ لام الفعل إلى أصلها‏.‏

2- وإن كان مسنداً إلى ضمير الاثنين لم يُحذف أيضاً من الفعل شيء، وحُذِفت نون الرفع فقط، لتوالي الأمثال، وكُسِرتَ نون التوكيد، تشبيهاً لها بنون الرفع، نحو‏:‏ لتَنْصُرانِّ يا زيدان، ولتَقضِيانِّ، ولتَغزُوَانِّ، ولتَسْعَيانِّ‏.‏

3- وإن كان مسنداً إلى واو الجمع، فإن كان صحيحاً حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال وواو الجمع لالتقاء الساكنين، نحو‏:‏ لتَنْصُرُنَّ يا قوم، وإن كان ناقصاً وكانت عين الفعل مضمومة أو مكسورة حذفت أيضاً لام الفعل زيادة على ما تقدَّم، نحو‏:‏ لتغزن ولتقضن يا قوم بضم ما قبل النون في الأمثلة الثلاثة للدلالة على المحذوف‏.‏ فإن كانت العين مفتوحة حذفت لام الفعل فقط وبقي فتح ما قبلها وحركت واو الجمع بالضمة، نحو‏:‏ لتَخْشَوُنَّ، ولتَسْعَوُنَّ‏.‏

وسيأتي الكلام على ذلك في الحذف لالتقاء الساكنين إن شاء اللّه تعالى‏.‏

4- وإن كان مسنداً إلى ياء المخاطبة حذفت الياء والنون، نحو‏:‏ لتنصرن يا دعد، ولتَغْزِنّ، ولتَرْمِنّ، بكسر ما قبل النون‏.‏ إلاَّ إذا كان الفعل ناقصاً وكانت عينه مفتوحة، فتبقى ياء المخاطبة حركة بالكسر مع فتح ما قبلها، نحو‏:‏ لتَسْعَيِنَّ، ولتَخْشَيِنَّ يا دَعدُ‏.‏

5- وإن كان مسنداً إلى نون الإناث زيدت لوقوعها بعد الألف، نحو‏:‏ لتَنْصُرْنَانِّ يا نسوة، ولتَسْعَيْنَان ولتَغْزُونَانِّ ولتَرْمِينَانِّ‏.‏

والأمر مثل المضارع في جميع ذلك، نحو‏:‏ اضربَنّ يا زيد واغزُوَنَّ وارْمِيَنَّ واسْعِيَنَّ ونحو‏:‏ اضْرِبَانِّ يا زيدانِ واغزوانِّ وارمِيانِّ واسعِيانِّ ونحو‏:‏ اضرُبَنّ يا زيدون واغْزُنّ واقضن ونحو‏:‏ اخْشَوُنَّ واسْعَوُنّ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

وتختص الخفيفة بأحكام أربعة‏:‏

الأوَّل‏:‏ أنها لا تقع بعد الألف الفارقة بينها وبين نون الإناث لالتقاء الساكنين على غير حَدِّهِ فلا تقول اخْشَيْنان‏.‏

الثَّاني‏:‏ أنها لا تقع بعد ألف الاثنين فلا تقول لا تضربان يا زيدان لما تقدَّم ونقل الفارسي عن يونس إجازته فيهما ونظر له بقراءة نافع ‏(‏ومَحْيايْ‏)‏ بسكون الياء بعد الألف‏.‏

الثَّالث‏:‏ أنها تحذف إذا وليها ساكن كقول الأضبط بن قُريع السَّعْدِيِّ‏:‏

فَصِلْ حِبالَ البَعـيدِ إنْ وَصَلَ *** الحْبلَ وأقصِ القَرِيبَ إن قَطَعَهْ

ولا تُـهِينَ الفقـيرَ عَلَّكَ أنْ *** تَرْكَـعَ يَوْماً والدَّهْـرُ قَدْ رَفعَهْ

أي لا تهينن‏.‏

الرَّابع‏:‏ أنها تُعْطَي في الوقت حكم التنوين، فإن وقعت بعد فتحة قلبت ألف، نحو‏:‏ ‏(‏لنسفعا‏)‏ ‏(‏وليكونا‏)‏ ونحو‏:‏

وَإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا *** ولا تعبدِ الشَّيْطَانَ واللّهَ فاعبُدَا

وإن وقعت بعد ضمة أو كسرة حُذِفت، ورُدَّ ما حذف في الوصل لأجلها‏.‏ تقول في الوصل‏:‏ اضرُبنْ يا قوم، واضرِبنْ يا هند، والأصل‏:‏ اضْرِبُون واضْرِبِينْ، فإذا وقفت عليها حذفن النون، لشبهها بالتنوين، فترجع الواو والياء، لزوال الساكنين، فتقول‏:‏ اضربوا واضربي‏.‏

تتمة في حكم الأفعال عند إسنادها إلى الضمائر ونحوها

1- حكم الصحيح السالم

أنه لا يدخله تغيير عند اتصال الضمائر ونحوها به، نحو‏:‏ كتبتُ وكتَبُوا وكتبَتْ‏.‏

2- حكم المهموز

كحكم السالم إلاَّ أن الأمر من أخَذَ وأَكَلَ، تحذف همزته مطلقاً، نحو‏:‏ خُذْ كُلْ؛ ومن أمر وسأل في الابتداء، نحو‏:‏ مُرُوا بالمعروف، وانْهَوْا عن المنكر، ونحو‏:‏ ‏{‏سَلْ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 211‏)‏، ويجوز الحذف وعدمه إذا سُبقا بشيء، نحو‏:‏ قلت له‏:‏ مُرْ، أو اؤْمُرْ، وقلت له‏:‏ سلْ أو اسأل‏.‏

وكذا تحذف همزة رأى، أي عين الفعل من المضارع والأمر، كيرَى ورَه، الأصل يَرْأَى، نُقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها، ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع ما بعدها؛ والأمر محمول على المضارع‏.‏

وتحذف همزة أرَى، أي عينه أيضاً في جميع تصاريفه، نحو‏:‏ أرَى ويُرِي وأَرِه‏.‏

وإذا اجتمعت همزتان في أول الكلمة وسكنت ثانيتهما، أبدلت مداً من جنس حركة ما قبلها كما سيأتي‏:‏

3- حكم المضعَّف الثلاثيّ ومزيده

يجب في ماضيه الإدغام، نحو‏:‏ مدّ واستمدّ، ومدُّوا واستمدوا، ما لم يتصل به ضمير رفع متحرك، فيجب الفك، نحو‏:‏ مَدَدْتَ، والنسوة مَدَدْن، واستمددت، والنسوة استمددن‏.‏

ويجب في مضارعه الإدغام أيضاً نحو‏:‏ يَرُدّ ويستردّ، ويردُّون ويستردون، ما لم يكن مجزوماً بالسكون، فيجوز الأمران، نحو‏:‏ لم يَرُدَّ ولم يَرْدُدْ، ولم يستردَّ ولم يسترددْ، وما لم تتصل به نون النسوة فيجب الفك، نحو‏:‏ يَردُدْن ويستردِدْن‏.‏ بخلاف ما إذا كان مجزوماً بغير السكون، فإنه كغير المجزوم، وتقول لم يردُّوا ولم يستردوا‏.‏

والأمر كالمضارع المجزوم في جميع ذلك، نحو‏:‏ رُدَّ يا زيدُ واردُدْ، واسترِدَّ واسترددْ، واردُدْن يا نسوة، وردُّوا واستردُّوا‏.‏

4- حكم المثال

قد تقدَّم أنه إما يائيّ الفاء أو واوُّيها‏.‏

فاليائيّ لا يحذف منه في المضارع شيء، إلاَّ في لفظتين حكاهما سيبويه، وهما يَسر البعير يَسِرُ، كوعَدَ يَعِدُ، من اليَسْر كالضَّرْب‏:‏ أي اللين والانقياد، ويَئِسَ يَئس في لغة‏.‏

والواويّ تُحذف فاؤه من المضارع، إذا كان على وزن «يفعِل» بكسر العين، وكذا من الأمر لأنه فرعه، نحو‏:‏ وَعَد يَعِد عِدْ، ووَزَنَ يَزِنُ زِنْ، وأما إذا كان يائياً كيَنَعَ يَيْنِع، أو كان واوياً وكان مضارع على وزن يفعل بضمن العين، نحو‏:‏ وَجُه يَوْجُه، أو على وزن يفعل بفتحها، نحو‏:‏ وَجِل يَوْجَل، فلا يُحذف منه شيء وسمع ياجَل ويَيْجَل‏.‏ وشذّ يَدَع، ويَزَع، ويَذَر، ويَضع، ويَقَع، ويَلَعُ، ويَلَغ، ويَهَب بفتح عينها، وقيل لا شذوذ، إذ أصلها على وزن يفعل بكسر العين وإنما فتحت لمناسبة حرف الحلق وحمل يذر على يدع‏.‏

أما الحذف في يَطأ ويَسَع فشاذّ اتفاقاً، إذ ماضيهما مكسور العين والقياس في عين مضارعه الفتح‏.‏

وأما مصدر، نحو‏:‏ وَعَدَ ووَزَنَ، فيجوز فيه الحذف وعدمه فتقول‏:‏ وَعد يَعِد عِدَة ووَعْداً، ووَزَن يَزِن زِنَة ووَزْناً، وإذا حذفت الواو من المصدر عوضت عنها تاء في آخره كما رأيت وقد تحذف شذوذاً كقوله‏:‏

إن الخليطَ أجَدُّوا البَيْن فانجرَدُوا *** وأخلفوك عِدَ الأمر إلى وَعَدُوا

وشذ حذف الفاء من، نحو‏:‏ رِقَة للفضة، وحِشَة بالمهملة للأرض الموحِشة، وجِهة للمكان المتجَهِ إليه، لانتفاء المصدرية عنها‏.‏

5- حكم الأجوف

إن أعّلت عينه وتحركت لامه، ثبتت العِين‏.‏

وإن سكنت بالجزم، نحو‏:‏ لم يقل، أو بالبناء في الأمر، نحو‏:‏ قل أو لاتصاله بضمير رفع متحرك في الماضي حذفت عينه وذلك في الماضي بعد تحويل فعَلَ بالكسر إن كان أصلها ياء كبَاع، وتنقل حركة العين إلى الفاء فيهما، لتكون حركة الفاء دالة على أن العين واو في الأوَّل وياء في الثاني، تقول قُلْتُ وبِعْتُ، بالضم في الأوَّل والكسر في الثاني‏.‏ بخلاف مضمون العين ومكسورها، كطال وخافَ، فلا تحويل فيهما، وإنما تنقل حركة العين إلى الفاء، للدلالة على البنية، تقول‏:‏ طُلْت وَخِفْت، بالضم في الأوَّل والكسر في الثاني‏.‏

هذا في المجرَّد والمزيد مثله في حذف عينه إن سكنت لامه، وَأُعِلت عينه بالقلب، كأقمت واستقمت، واخترت وانقدت‏.‏ وإن لم تعلّ العين لم تحذف، كقاوُمْ، وقَوَّمْت‏.‏

6- حكم الناقص

إذ كان الفعل الناقص ماضياً وأسند لواو الجماعة حذف منه حرف العلة وبقي فتح ما قبله إن كان المحذوف ألفاً ويضم إن كان واواً أو ياء فتقول في، نحو‏:‏ سَعَى سَعَوْا، وفي سَرُوَ ورَضِيَ سَرُوا ورَضُوا‏.‏ وإذا أُسْنِد لغير الواو من الضمائر البارزة لم يحذف حرف العلة بل يبقى على أصله وتقلب الألف واواً أو ياء تبعاً لأصلها إن كانت ثالثة فتقول في نحو‏:‏ سَرُوَ سَرُونَا‏.‏ وفي رَضِيَ رَضِينا، وفي غزا ورمى غَزَوْنا ورَمَيْنا وغَزَوَا ورَمَيَا‏:‏ فإن زادت عن ثلاثة قلبت ياء مطلقاً، نحو أَعْطَيْتُ واستعطيت، وإذا لحقت تاء التأنيث ما آخره ألف حذفت مطلقاً، نحو رَمَتْ وأعطت واستعطت، بخلاف ما آخره واو أو ياء فلا يحذف منه شيء‏.‏

وأما إذا كان مضارعاً وأسند لواو الجماعة أو ياء المخاطبة فيحذف حرف العلة ويفتح ما قبله إن كان المحذوف ألفاً، كما في الماضي، ويؤتى بحركة مجانسة لواو الجماعة أو ياء المخاطبة، إن كان المحذوف واواً أو ياء، فتقول في نحو‏:‏ يسعَى‏:‏ الرجال يَسْعَونَ، وتَسْعَيْن يا هند، وفي نحو‏:‏ يغزُو ويرمي‏:‏ الرجال يغزُون ويرمُون، وتغزِين وترمين يا هند‏.‏

وإذا أسند لنون النسوة لم يحذف حرف العلة بل يبقى على أصله، غير أن الألف تقلب ياء فتقول في نحو‏:‏ يغزو ويرمي‏:‏ النساء يغزُون ويرمِين، وفي نحو يسعَى‏:‏ النساء يسعَيْن‏.‏

وإذا أسند لألف الاثنين، لم يحذف منه شيء أيضاً، وتقلب الألف ياء، نحو‏:‏ الزيدان يغزُوان ويرميان ويسعَيان‏.‏

والأمر كالمضارع المجزوم، فتقول‏:‏ اغزُ، وارمِ، واسعَ، واغزُوَا، وارمِيَا، واسْعَيَا، واغْزُوا، وارْمُوا، واسْعَوْا‏.‏

7- حكم اللفيف

إن كان مفروقاً، فحكم فائه مطلقاً حكم فاء المثال، وحكم لامه حكم لام الناقص، كوقَى تقول‏:‏ وَقَى يَقِي قِهْ، وإن كان مقروناً، فحكمه حكم الناقص‏:‏ كطوى يَطوِي اطْوِ‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏

تنبيه

يتصرف الماضي باعتبار اتصال ضمير الرفع به إلى ثلاثة عشر وجهاً‏:‏ اثنان للمتكلم، نحو‏:‏ نَصَرْتُ نصرنا، وخمسة للمخاطب، نحو‏:‏ نصرتَ نصرتِ نصرتُما نصرتُم نصرتُنّ، وستة للغائب، نحو‏:‏ نَصرَ نصرا نصروا نصرَتْ نصرنا نصرْنَ، وكذا المضارع، نحو‏:‏ أنصرُ ننصُر تنصُر يا زيد، تنصُران يا زيدان، أو يا هندان تنصُرون تنصرين تنصُرْنَ ينصُر ينصُران ينصرُون، هند تنصرُ، الهندان تنصران، النسوة يَنْصرن، ومثله المبني للمجهول‏.‏

ويتصرف الأمر إلى خمسة‏:‏ انصُرْ،انصرَا، انصُرُوا، انْصُري، انصُرْنَ‏.‏

الباب الثاني‏:‏ في الكلام على الاسم

وفيه عدة تقاسيم‏:‏

التقسيم الأول من حيث التجرُّد والزيادة

ينقسم الاسم إلى‏:‏ مجرَّد ومزيد‏.‏ والمجرَّد إلى‏:‏ ثلاثيّ ورباعي وخُماسيّ‏.‏

1- فأوزان الثلاثيّ المتفق عليها عشرة‏:‏

‏(‏فَعْل‏)‏ بفتح فسكون كسَهْم وسَهْل‏.‏ ‏(‏فَعَل‏)‏ بفتحتين كقَمَر وبطل‏.‏ ‏(‏فَعِل‏)‏ بفتح فكسر ككَتِف وحَذِر‏.‏ ‏(‏فَعُل‏)‏ بفتح فضم كعَضُد ويقُظ‏.‏ ‏(‏فِعْل‏)‏ بكسر فسكون كحِمْل ونِكْس‏.‏ ‏(‏فِعَل‏)‏ بكسر ففتح كعِنَب وزِيَم‏:‏ أي متفرق‏.‏ ‏(‏فِعِل‏)‏ بكسرتين كإبِل وبِلِز أي ضخمة وهذا الوزن قليل حتى ادعى سيبويه أنه لم يرد منه إلاَّ إبل‏.‏ ‏(‏فُعْل‏)‏ بضم فسكون كقُفْل وحُلْو ‏(‏فُعَل‏)‏ بضم ففتح كصُرَد وحُطَم‏.‏ ‏(‏فُعُل‏)‏ بضمتين كعُنُق، وناقة سُرُح‏:‏ أي سريعة‏.‏

وكانت القسمة العقلية تقتضي اثني عشر وزناً لأن حركات الفاء ثلاثة وهي الفتح والضم والكسر ويجري ذلك في العين أيضاً ويزيد السكون والثلاثة في الأربعة باثني عشر، يَقِلُّ ‏(‏فُعِل‏)‏ بضم فكسر كَدُئِل‏:‏ اسم لدويبة أو اسم جنس لأن هذا الوزن قصد تخصيصه بالفعل المبني للمجهول‏.‏

وأما ‏(‏فِعُل‏)‏ بكسر فضم فغير موجود، وذلك لعسر الانتقال من كسر إلى ضم، ويجاب عن قراءة بعضهم‏:‏ ‏{‏وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْحِبُكِ‏}‏ ‏(‏الذاريات‏:‏ 7‏)‏، بكسر فضم، بأنه من تداخل اللغتين في جزأي الكلمة إذ يقال حُبُك بضمتين، وحِبِك بكسرتين فالكسر في الفاء من الثانية والضم في العين من الأولى، وقيل كسرت الحاء إتباعاً لكسرة تاء «ذات»‏.‏

ثم إن بعض هذه الأوزان قد يُخفَّف فنحو‏:‏ كَتِف، يخفَّف بإسكان العين فقط، أو به مع كسر الفاء وإذا كان ثانيه حرف حلق خفف أيضاً مع هذين بكسرتين فيكون فيه أربع لغات كفخذ ومثل الاسم في ذلك الفعل كشهد ونحو‏:‏ عَضُد وإبِل وعُنُق، يخفَّف بإسكان العين‏.‏

2- وأوزان الاسم الرُّباعي المجرَّد المتفق عليها خمسة‏:‏

‏(‏فَعْلَل‏)‏ بفتح أوَّله وثالثه وسكون ثانيه كجَعفَرْ‏.‏ ‏(‏وفِعْلِل‏)‏ بكسرهما وسكون ثانيه كزِبْرِج للزينة‏.‏ ‏(‏وفُعْلُل‏)‏ بضمهما وسكون ثانية كبُرْثُنٍ لمِخْلب الأسد‏.‏ ‏(‏وفِعَلّ‏)‏ بكسر ففتح فلام مشدَّدة كقِمَطْر لوعاء الكتب‏.‏ ‏(‏وفِعْلَل‏)‏ بكسر فسكون ففتح كدِرْهَم‏.‏

وزاد الأخفش وزن ‏(‏فُعْلَل‏)‏ بضم فسكون ففتح كجُخْدَب‏:‏ اسم للأسد، وبعضهم يقول إنه فرع جُخْدُب بالضم، والصحيح أنه أصل ولكنه قليل‏.‏

3- وأوزان الخُماسيّ أربعة‏:‏ ‏(‏فَعَلّلَ‏)‏ بفتحات مشدد اللام الأولي، كسفرجل‏.‏

وفَعْلَلِل‏:‏ بفتح أوَّله وثالثه وسكون ثانيه وكسر رابعه كجَحْمَرِش للمرأة العجوز‏.‏ وفِعْلَلّ‏:‏ بكسر فسكون ففتح مشدد اللام الثانية كقِرْطَعْب، للشيء القليل‏.‏ وفُعَلِّل‏:‏ بضم ففتح فتشديد اللام الأولي مكسورة كقُذَعْمِل وهو الشيء القليل‏.‏

تنبيه

قد علمت مما تقدَّم أن الاسم المتمكن لا تقل حروفه الأصلية عن ثلاثة إلاَّ إذا دخله الحذف كيد ودم وعِدَة وسِنة، وأن أوزان المجرَّد منه عشرون أو أحد وعشرون كما تقدَّم‏.‏

4- وأما المزيد فيه فأوزانه كثيرة، ولا يتجاوز بالزيادة سبعة أحرف كما أن الفعل لا يتجاوز بالزيادة ستة‏.‏ فالاسم الثلاثيّ الأصول المزيد فيه، نحو‏:‏ اشهيباب، مصدر اشهابَّ‏.‏ والرُّباعيّ الأصول المزيد فيه، نحو‏:‏ احْرنجام مصدر احرنجمت الإبل إذا اجتمعت‏.‏ والخُماسيّ الأصول لا يزاد فيه إلاَّ حرف مد قبل الآخر أو بعده، نحو‏:‏ عَضْرَفُوط مهمل الطرفين بفتحتين بينهما سكون مضموم الفاء، اسم لدُوَيْبَّة بيضاء، وَقَبَعْثَرى، بسكون العين وفتح ما عداها، اسم للبعير الكثير الشعر، وأما نحو‏:‏ خَنْدَرِيس، اسم للخمر، فقيل أنه رُباعيّ مزيد فيه، فوزنه فنعليل والأولى الحكم بأصالة النون إذ قد ورد هذا الوزن في، نحو‏:‏ برقعيد‏:‏ لبلد، ودَرْدَبيس‏:‏ للداهية، وسَلْسَبيل‏:‏ اسم للخمر، ولعين في الجنة، قيل معرب وقيل عربي منحوت من سلس سبيله كما في شفاء الغليل‏.‏

وبالجملة فأوزان المزيد فيه تبلغ ثلاثمائة وثمانية على ما نقله سيبويه وزاد بعضهم عليها، نحو‏:‏ الثمانين مع ضعف في بعضها وسيأتي إن شاء اللّه تعالى في باب الزيادة قانون به يعرف الزائد من الأصليّ‏.‏

التقسيم الثاني للاسم من حيث الجمود والاشتقاق

ينقسم الاسم إلى‏:‏ جامد ومشتق‏.‏

‏(‏فالجامد‏)‏‏:‏ ما لم يؤخذ من غيره ودل على ذات أو معنى من غير ملاحظة صفة كأسماء الأجناس المحسوسة مثل رَجُل وشجَر وبقَر، وأسماء الأجناس المعنوية، كنصْر وفَهْم وقياس وقعود وضَوء ونُور وزَمان‏.‏

‏(‏والمشتق‏)‏‏:‏ ما أخذ من غيره ودل على ذات مع ملاحظة صفة كعالم وظريف‏.‏ ومن أسماء الأجناس المعنوية المصدرية يكون الاشتقاق كفهم من الفهم ونصرَ من النصر‏.‏

وندر الاشتقاق من أسماء الأجناس المحسوسة‏.‏ وكأورقت الأشجار وأسبعت الأرض‏:‏ من الوَرَق والسَّبع، وكعقْرَبْتُ الصُّدْغ، وفَلْفَلَت الطعام، ونَرْجَسْت الدواء‏:‏ من العَقْرب والنَّرْجِس، والفُلْفُل، أي جعلت شعر الصدغ كالعقرب، وجعلت الفلفل في الطعام، والنرجس في الدواء‏.‏

والاشتقاق‏:‏ أخذ كلمة من أخرى مع تناسب بينهما في المعنى وتغيير في اللفظ، وينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

صغير‏:‏ وهو ما اتحدت الكلمتان فيه حروفاً وترتيباً كعلم من العلم وفهم من الفهم‏.‏

وكبير‏:‏ وهو ما اتحدتا فيه حروفاً لا ترتيباً كجبذ من الجَذْب‏.‏

وأكبر‏:‏ وهو ما اتحدتا فيه في أكثر الحروف مع تناسب في الباقي كنَعَقَ من النَّهْق لتناسب العين والهاء في المخرج‏.‏

وأهم الأقسام عند الصرفيّ هو الصغير‏.‏

وأصل المشتقّات عند البصريين المصدر، لكونه بسيطاً، أي يَدُل على الحدث فقط، بخلاف الفعل، فإنه يَدُلُّ على الحدث والزمن، وعند الكوفيين‏:‏ الأصل الفعل، لأن المصدر يجيء بعده في التصريف، والذي عليه جميع الصَّرفيين الأوَّل‏.‏

ويُشتق من المصدر عشرة أشياء‏:‏ الماضي والمضارع والأمر- وقد تقدمت- واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل واسما الزمان والمكان واسم الآلة، ويلحق بها شيئان المنسوب والمصغر وكل يحتاج إلى البيان‏.‏

المَصْدَر

قد علمت أن أبنية الفعل ثلاثة ورباعية وخماسية وسداسية ولكل بناء منها مصدر‏.‏

مصادر الثلاثي

قد تقدَّم أن الماضي الثلاثيّ ثلاثة أوزان‏:‏

‏(‏فَعَلَ‏)‏ بفتح العين ويكن متعدِّياً كضربه ولازماً كقعد‏.‏ ‏(‏وفَعِلَ‏)‏ بكسر العين ويكون متعدِّياً أيضاً كفهم الدرس ولازماً كرَضِيَ‏.‏ ‏(‏وفَعُلَ‏)‏ بضمن العين ولا يكون إلاَّ لازماً‏.‏

1، 2- فأما فعل بالفتح وفعل بالكسر المتعدِّيان، فقياس مصدرهما‏:‏ فَعْل، بفتح فسكون، كضَرَب ضَرْبا، ورَدَّ رَدّاً، وفَهِمَ فَهْماً، وَأَمِن أَمْناً، إلاَّ أن دل الأوَّل على حرفة فقياسه فعالة بكسر أوَّله كالخِياطة الحِياكة‏.‏

3- وأما فَعِل بكسر العين القاصر، فمصدره القياسيّ فعل بفتحتين كفرِح فرِحاً وجَوِيّ جَوًى، وشَلَّ شَلَلاً؛ إلاَّ إن دل على حرفة أو ولاية فقياسه‏:‏ فِعالة، بكسر الفاء، كوَلِيَ عليهم وِلاية‏.‏ أو دلَّ على لون فقياسه‏:‏ فُعْلة، بضم فسكون كَحَوِي حُوَّة، وحَمِر حُمْرة، أو كان علاجاً ووصفه على فاعل فقياسه‏:‏ الفعُول، بضم الفاء، كأزِف الوقت أُزًوفاً، وقدم من السفر قُدُوماً، وصعد في السُّلم والدرج صُعُوداً‏.‏

4- وأما فعل بالفتح اللازم فقياس مصدره‏:‏ فُعول بضم الفاء كقَعد قعوداً وجلس جُلوساً ونَهض نُهوضاً، ما لم تعتل عينه إلاَّ فيكون على فَعْل، بفتح فسكون، كسير أو فُعال كقيام أو فِعالة كنِياحة، وما لم يدل على امتناع وإلا فقياس مصدره‏:‏ فِعال بالكسر كأبَى إباءً، ونفر نِفاراً وجَمح جِماحاً وأبق إبِاقاً، أو على تقلُّب فقياس مصدره‏:‏ فعَلان بفتحات كجال جوَلاناً وغَلى غلَياناً، أو على داء فقياسه فُعال بالضم، كمَشَى بطنه مُشَاء‏.‏ أو على سير فقياسه‏:‏ فَعِيل، كرحَلَ رحيلاً وذَمَل ذَمِيلاً‏.‏ أو على صوت فقياسه‏:‏ الفُعال بالضم والفَعيل، كصَرَخ صُراخاً، وعَوَى الكلب عُوَاء، وصَهَل الفرس صَهيلاً، ونَهَق الحمار نَهيقاً، وزأر الأسد زَئِيراً، أو على حرفة أو ولاية فقياس مصدره‏:‏ فِعالة بالكسر، كتَجَر تِجَارة، وعَرَف على القوم عِرَافة‏:‏ إذا تكلم عليهم، وسفَر بينهم سِفارة‏:‏ إذا أصلح‏.‏

5- وأما فَعُل بضم العين فقياس مصدره‏:‏ فعولة، كصعُب الشيء صُعوبة وعَذُب الماء عُذوبة، وفَعالة بالفتح كبَلُغ بَلاغة وفَصُحَ فَصَاحة وصَرُح صَرَاحة‏.‏

وما جاء مخالفاً لما تقدَّم فليس بقياسيّ وإنما هو سماعي يحفظ ولا يقاس عليه‏.‏

فمن الأوَّل طلب طلباً ونَبَتَ نَبَاتاً، وكتَبَ كِتَاباً، وحرس حراسة وحسب حسباناً وشكر شكراً وذكراً وكتم كِتْماناً، وكَذِب كَذِباً، وغَلَب غَلَبة وحَمَى حِماية وغَفَر غُفْراناً وعَصَى عِصياناً وقَضَى قَضَاء وهَدَى هِدَاية ورَأَى رُؤية‏.‏

ومن الثاني‏:‏ لَعِب لَعِباً، ونضج نضجاً وكره كراهية وسمن سمنا وقوي قوة وقبل قبولا ورحم رحمة‏.‏

ومن الثالث‏:‏ كَرُم كرَماً وعَظُم عِظَماً ومَجُد مَجْداً وحَسُنَ حُسْناً وحَلُمَ حِلْماً وجَمُل جَمالاً‏.‏

مصادر غير الثلاثي

لكل فعل غير ثلاثيّ مصدر قياسيّ‏:‏

1- فمصدر فعَّل بتشديد العين‏:‏ التفعيل، كطهَّر تطهيراً، ويسَّر تيسيراً‏.‏ هذا إذا كان الفعل صحيح اللام‏.‏ وأما إذا كان معتلَّها فيكون على وزن تَفْعِلة، بحذف ياء التفعيل وتعويضها بتاء في الآخر كزِكيّ تزكِية وربَّى تَربية وندر مجيء الصحيح على تفعلة، كجرَّب تجربة، وذكَّر تذكِرة، وبصَّر تبصِرَة، وفكرَّ تفكرة، وكَمَل تَكمِلة، وفرَّق تَفْرِقة، وكرَّم تَكْرِمة‏.‏ وقد يعامل مهموز اللام معاملة معتلها في المصدر كبَرَّأ تبْرِئة وجَزَّأ تَجْزِئة، والقياس تبريئاً وتجزيئاً‏.‏

وزعم زيد أن ورود تفعيل في كلام العرب مهموزاً أكثر من تفعلة فيه وظاهر عبارة سيبويه تفيد الاقتصار على ما سُمِع، حيث لم يرد عنه إلاَّ نَبّأ تنبيئاً‏.‏

2- ومصدر أفْعَلَ‏:‏ الإفعال كأكرم إكراماً، وأحسن إحساناً، هذا إذا كان صحيح العين، أما إذا كان معتلها فتنقل حركتها إلى الفاء وتقلب ألفاً لتحركها بحسب الأصل وانفتاح ما قبلها بحسب الآن ثم تحذف الألف الثانية لالتقاء الساكن كما سيأتي، وتعوّض عنها التاء كأقام إقَامَة وأنَاب إنَابة، وقد تحذف التاء إذا كان مضافاً على ما اختاره ابن مالك، نحو‏:‏ «وإِقام الصلاة»،وبعضهم يحذفها مطلقاً، وقد يجيء على فَعال بفتح الفاء كأنبت نَباتاً وأعطى عَطاء، ويُسمونه حينئذ اسم مصدر‏.‏

3- وقياس مصدر ما أوَّله همزة، وصل قياسية كانطلق واقتدر، واصطفى واستغفر أن يكسر ثالث حرف منه ويزاد قبل آخره ألف فيصير مصدراً كانطلاق واقتدار واصطفاء واستغفار فخرج، نحو‏:‏ اطاير واطير فمصدرهما التفاعل والتفعل لعدم قياسية الهمزة، وإن كان استفعل معتلّ العين عمل في مصدره ما عمل في مصدر أفعل معتلّ العين كاستقام استقامة، واستعاذ استعاذة‏.‏

4- وقياس مصدر ما بدئ بتاء زائدة أن يضم رابعه، نحو‏:‏ تَدَحْرَجَ تَدَحْرُجاً، وتَشَيْطَنَ تَشَيْطُناً، وتَجَوْرَب تَجَوْرُباً، لكن إذا كانت اللام ياء كسر الحرف المضموم ليناسب الياء كتوانى توانياً وتغالى تغالياً‏.‏

5- وقياس مصدر فعلل وما ألحق به فعللة كدحرج دحرجة وزلزل زلزلة ووسوس وسوسة وبيطر بيطرة وفعلال بكسر الفاء إن كان مضاعفاً، نحو‏:‏ زَلْزَل زِلزَالاً ووَسْوَس وِسواساً وهو في غير المضعَّف سماعي كسَرْهَفَ سِرْهافاً، وإن فُتِح أول مصدر المضاعف، فالكثير أن يراد به اسم الفاعل، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ‏}‏ ‏(‏الناس‏:‏ 4‏)‏، أي المُوَسْوِس‏.‏

6- وقياس مصدر فاعل الفعال بالكسر والمفاعلة كقَاتل قتالاً ومُقاتلة، وخَاصم خِصاماً ومُخاصمة‏.‏ وما كانت فاؤه ياء من هذا الوزن يمتنع فيه الفعال كيَاسر مُياسرة، ويامنَ مُيامنة‏.‏ هذا هو القياس‏.‏

وما جاء على غير ما ذكر فشاذّ، نحو‏:‏ كَذَّب كِذّاباً، والقياس تَكذيباً، وكقوله‏:‏

باتتَ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيَّا *** كما تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا

والقياس‏:‏ تَنْزيه، وقولهم‏:‏ تَحَمَّل تِحِمَّالاً بكسر التاء والحاء وشد الميم والقياس تحملاً وتَرامَى القوم رِمِّيّا بكسر الراء والميم مشدَّدة وتشديد الياء وآخره مقصور والقياس تَرامِياً وحَوْقل الرجل حِيقَالاً‏:‏ ضعف عن الجماع، والقياس حَوْقَلة، واقشعرّ جلده قشَعْرِيرَة، بضم ففتح فسكون أي أخذته الرعدة والقياس اقْشعرار‏.‏

فائدة‏:‏ كل ما جاء على زنة تفعال فهو بفتح التاء، إلا تِبْيان، وتِلْقاء، والتِّنْضال من المناضلة، وقيل هو اسم والمصدر بالفتح‏.‏

تنبيهات

الأوَّل‏:‏ يُصاغ للدلالة على المرة من الفعل الثلاثيّ مصدر على وزن «فَعْلَة» بفتح فسكون، كجَلس جَلْسَة، وأكلَ أكْلَة‏.‏ وإذا كان بناء مصدره الأصلي بالتاء، فيدل على المرة بالوصف كرَحِم رَحْمة واحدة‏.‏

ويُصاغ منه للدلالة على الهيئة مصدر على وزن فعلة بكسر فسكون كَجَلس جِلْسة، وفي الحديث‏:‏ «إذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة»‏.‏ وإذا بكسر التاء في مصدره الأصلي دُلّ على الهيئة بالوصف كنَشَد الضالَّة نِشْدة عظيمة‏.‏

والمرة من غير الثلاثيّ، بزيادة التاء على مصدره كانطلاقة وإن كانت التاء في مصدره دل عليها بالوصف كإقامة واحدة، ولا يُبنى من غير الثلاثيّ مصدر للهيئة وشذّ خِمْرة ونِقْبة وعِمَّة، من اختمرت المرأة، وانتقبت، وتعمَّم الرجل‏.‏

الثَّاني‏:‏ عندهم مصدر يقال له المصدر الميمي لكونه مبدوءاً بميم زائدة‏.‏

ويُصاغ من الثلاثيّ على وزن مفعل بفتح الميم والعين وسكون الفاء، نحو‏:‏ مَنْصَر ومَضْرَب، ما لم يكن مثالاً صحيح اللام تُحذف فاؤه في المضارع كوَعَد، فإنه يكون على زنة مَفْعِل بكسر العين كموعد وموضع وشذّ من الأوَّل‏:‏ المرجِع والمَصِير، والمعرِفة، والمقدِرة، والقياس فيها الفتح‏.‏ وقد ورد الثلاثة الأوَّل بالكسر، والأخير مثلثاً، فالشذوذ في حالتي الكسر والضم‏.‏

ومن غير الثلاثيّ‏:‏ يكون على زنة اسم المفعول كمُكْرَم، ومُعَظَّم، ومُقام‏.‏

الثَّالث‏:‏ يُصاغ من اللفظ مصدر يقال له المصدر الصناعي، وهو أن يزاد على اللفظ ياء مشدَّدة وتاء تأنيث كالحرية والوطنية والإنسانية والهمَجية والمَدَنية‏.‏

اسم الفاعل

هو ما اشْتُقّ من مصدر المبني للفاعل، لمن وقع من الفعل أو تعلق به وهو من الثلاثيّ على وزن فاعِل غالباً، نحو‏:‏ ناصِر وضارِب وقابِل، ومادّ، وراق، وطاوٍ، وبائع، فإن كان فعله أجوف مُعَلاّ، قلبت ألفه همزة كما سيأتي في الإعلال‏.‏

ومن غير الثلاثيّ على زنة مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وكَسر ما قبل الآخر، كمُدَحرِج ومُنْطلِق ومُستخرِج، وقد شذّ من ذلك ثلاثة ألفاظ، وهي أسْهَب فهو مُسْهَب، وأحصَنَ فهو مُحْصَن، وألفج بمعنى أفلس فهو مُلْفَج بفتح ما قبل الآخر فيها‏.‏ وقد جاء من أفعل على فاعِل، نحو‏:‏ أعشب المكان فهو عاشِب، وأورس فهو وارس، وأيفع الغلام فهو يافع، ولا يقال فيها مُفْعِل‏.‏

وقد تُحَوَّل صيغة فاعل للدلالة على الكثرة المبالغة وهي‏:‏ فَعَّال، بتشديد العين كأكَّال وشرَّاب‏.‏ ومِفعال، كمِنحار‏.‏ وفَعُول، كغَفُور‏.‏ وفَعِيل، كسميع‏.‏ وفَعِل، بفتح الفاء وكسر العين كحذِر‏.‏

وقد سُمِعت ألفاظ للمبالغة غير تلك الخمسة منها‏:‏ فِعِّيل، بكسر الفاء وتشديد العين مكسورة كسِكِّير‏.‏ ومِفْعِيل، بكسر فسكون كمِعْطِير‏.‏ وفُعَلَة، بضم ففتح كهمزة ولُمَزَة‏.‏ وفَاعُول، كفَارُوق‏.‏ وفُعال، بضم الفاء وتخفيف العين أو تشديدها، كطُوال وكُبار، بالتشديد أو التخفيف، وبهما قرئ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً‏}‏ ‏(‏نوح‏:‏ 22‏)‏‏.‏

وقد يأتي «فاعل» مُراداً به اسم المفعول قليلاً، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ‏}‏ ‏(‏الحاقة‏:‏ 21‏)‏، أي مرضية وكقول الشاعر‏:‏

دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحلْ لبِغْيَتِهَا *** واقعد فِإنَّك أَنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسي

أي المطعوم المكسيّ، كما أنه قد يأتي مُراداً به النسب كما سيأتي‏.‏

وقد يأتي فعيل مُراداً به فاعِل كقدير بمعنى قادر وكذا فَعُول بفتح الفاء، كغفور بمعنى غافر‏.‏

اسم المفعول

هو ما اشْتُقّ من مصدر المبني للمجهول، لمن وقع عليه الفعل‏.‏

وهو من الثلاثيّ على زنة «مَفْعُول» كمنصور، وموعود، ومَقُول، ومَبِيع، ومَرْمِيّ، ومَوْقِيّ، ومَطْوِيّ‏.‏ أصل ما عدا الأولين‏:‏ مَقْوُول، ومَبْيُوع، ومَرْمُوي، ومَوْقُوي، ومَطْوُوي، كما سيأتي في باب الإعلال‏.‏

وقد يكون على وزن فَعيل كقَتيل وجَريح‏.‏ وقد يجيء مفعول مُراداً به المصدر كقولهم ليس لفلان مَعْقُول، وما عنده مَعلوم‏:‏ أي عَقْل وَعِلم‏.‏

وأما من غير الثلاثيّ فيكون كاسم فاعله، ولكن بفتح ما قبل الآخر، نحو‏:‏ مُكْرَم ومُعَظَّم، ومُسْتَعان به‏.‏

وأما نحو‏:‏ مُخْتار وَمُعْتَدّ ومُنْصَبّ ومُحَابّ ومُتَحَابّ، فصالحُ لاسمَيّ الفاعل والمفعول بحسب التقدير‏.‏

ولا يُصاغ اسم المفعول من اللازم إلاَّ مع الظرف أو الجار والمجرور أو المصدر بالشروط المتقدمة في المبني للمجهول‏.‏

الصفة المشّبَّهةُ باسم الفاعل

هي لفظ مُصُوغ من مصدر اللازم، للدلالة على الثُّبوت‏.‏

ويغلب بناؤها من لازم باب فرح ومن باب شَرُف؛ ومن غير الغالب، نحو‏:‏ سيِّد ومَيِّت من‏:‏ ساد يسود ومات يموت، وشَيْخ‏:‏ من شَاخَ يَشيخُ‏.‏

وأوزانها الغالبة فيها اثنا عشر وزناً‏:‏ اثنان مختصان بباب فَرِح، وهما‏:‏

1- «أفْعَل» الذي مؤنثه «فعْلاء»، كأحمرَ وحمراء‏.‏

2- «وفَعْلان» الذي مؤنثه «فَعْلى»، كعطْشانَ وعَطْشَى‏.‏

وأربعة مختصة باب شَرُف، وهي‏:‏

3- «فَعَل» بفتحتين، كحسَن وبَطَل‏.‏

4- «وفُعُل» بضمتين كجُنُب وهو قليل‏.‏

5- «وفُعَال» بالضم، كشُجاع وفُرات‏.‏

6- «وفَعال» بالفتح والتخفيف، كرجل جَبَان، وامرأة حَصَان، وهي العفيفة‏.‏

وستة مشتركة بين البابين‏:‏

1- «فَعْل» بفتح فسكون، كسَبْطٍ وضَخْم، الأوَّل‏:‏ من سَبِط بالكسر؛ والثاني‏:‏ من ضَخُم بالضم‏.‏

2- «وفِعْل» بكسر فسكون‏:‏ كصِفْر ومِلْح، الأوَّل‏:‏ من صَفِر بالكسر، والثاني‏:‏ من مَلُح بالضم‏.‏

3- «فُعْل‏)‏ بضم فسكون، كحُرّ وصُلْب‏.‏ الأوَّل‏:‏ من حَرّ، أصله حَرِر بالكسر، والثاني‏:‏ من صَلُب بالضم‏.‏

4- و«فَعِل» بفتح فكسر، كفَرِح ونَجِس، الأوَّل‏:‏ من فرِح بالكسر، والثاني‏:‏ من نَجُس بالضم‏.‏

5- و«فاعِل»‏:‏ كصاحب وطاهر، الأوَّل‏:‏ من صَحِب بالكسر، والثاني‏:‏ من طَهُر بالضم‏.‏

6- و«فَعِيل» كبخيل وكريم، الأوَّل‏:‏ من بَخِل بالكسر، والثاني‏:‏ من كَرُم بالضم‏.‏ وربما اشترك «فاعِل» و«فَعِيل» في بناء واحد، كَمَاجِد ومَجِيد، ونَابِهْ ونَبِيه‏.‏

وقد جاءت على غير ذلك، كشَكُس بفتح فضم، لسيِّئ الخُلُق‏.‏

ويطرَّد قياسُها من غير الثلاثيّ على زنة اسم الفاعل إذا أريد به الثبوت، كمعتدل القامة ومنطلق اللسان كما أنها قد تحول في الثلاث إلى زنة «فاعِل» إذا أريد بها التجدَّد والحدوث، نحو‏:‏ زيد شاجِعٌ أمسِ وشارِف غداً، وحاسِن وجهُه، لاستعمال الأغذية الجيدة والنظافة مثلاً‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ بالتأمل في الصفات الواردة من باب فرح يعلم أن لها ثلاثة أحوال باعتبار نسبتها لموصوفها، فمنها‏)‏ ما يحصُل ويُسْرع زواله، كالفرح والطرب‏.‏ ومنها ما هو موضوع على البقاء والثبوت، وهو دائر بين الألوان والعيُوب والحِلَى، كالحُمْرة والسُّمرة والحُمْق والعَمَى والغَيَد والهَيَف‏.‏ ومنها ما هو في أمور تحصل وتزول، لكنها بطيئة الزوال، كالرّي والعَطَش والجوع والشِّبَع‏.‏

الثاني‏:‏ قد ظهر لك مما تقدَّم أن فَعِيلاً يأتي مصدراً، وبمعنى فاعِل، وبمعنى مفعول، وصفة مشبهة‏.‏ ويأتي أيضاً بمعنى مُفاعِل، بضم الميم وكسر العين، كجليس وسَمير، بمعنى مُجالس ومُسامر، وبمعنى مُفْعَل بضم الميم وفتح العين حَكيم بمعنى مُحْكم، وبمعنى مُفْعِل، بضم الميم وكسر العين كبديع بمعنى مُبْدِع‏.‏ فإذا كان فَعيل بمعنى فاعِل أو مُفاعِل، أو صفة مشبهة، لحقته تاء التأنيث في المؤنث، نحو‏:‏ رَحيمة وشَريفة وجَليسة ونَديمة، وإن كان بمعنى مفعول، استوى فيه المذكر والمؤنث إن تبع موصوفه‏:‏ كرجل جَرِيح وامرأة جَرِيح، وربما دخلته الهاء مع التبعية للموصوف، نحو‏:‏ صفة ذميمة، وخَصْلة حميدة‏.‏

وسيأتي ذلك في باب التأنيث إن شاء اللّه تعالى‏.‏

اسم التفضيل

1- هو الاسم المُصُوغ من المصدر للدلالة على أن شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر في تلك الصفة‏.‏

2- وقياسه أن يأتي على «أَفْعَل» كزيد أكرم من عمرو، وهو أعظم منه، وخرج عن ذلك ثلاثة ألفاظ أتت بغير همزة وهي‏:‏ خَيْرٌ وَشرٌّ وَحبٌّ، نحو‏:‏ خيرٌ منه وشرٌّ منه وقوله‏:‏

وحَبُّ شَيءٍ إلاَّ الإنسان ما مُنِعَا ***

وحذفت همزتهن لكثرة الاستعمال، وقد ورد استعمالهُنَّ بالهمزة على الأصل كقوله‏:‏

بلالُ خيرُ النَّاسِ وابن الأخْيَرِ ***

وكقراءة بعضهم‏:‏ ‏{‏سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأشَرُّ‏}‏ ‏(‏القمر‏:‏ 26‏)‏، بفتح الهمزة والشين وتشديد الراء وكقوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ «أحبُّ الأعمال إلى اللّه أدْوَمُها وإن قَلَّ»، وقيل حذفها ضرورة في الأخير وفي الأولين لأنهما لا فعل لهما ففيهما شذوذان على ما سيأتي‏.‏

وله ثمانية شروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون له فِعْل، وشذّ مما لا فعلَ له‏:‏ كهو أقْمَن بكذا‏:‏ أي أحق به، وألَصُّ من شِظاظ، بَنَوْهُ مِنْ قولهم‏:‏ هو لِصّ أي سارق‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون الفعل ثُلاثياً، وشذّ‏:‏ هذا الكلام أخْصَرُ من غيره، مِن اخْتُصِر المبني للمجهول، ففيه شذوذ آخر كما سيأتي، وسُمع هو أعطاهم بالدراهم، وأولاهم للمعروف، وهذا المكان أقفر من غيره، وبعضهم جوَّز بناءه من أفعل مطلقاً، وبعضهم جوَّزه إن كانت الهمزة لغير النقل‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون الفعل متصرفاً، فخرج نحو‏:‏ عَسى ولَيْس، فليس له أفعل تفضيل‏.‏

والرابع‏:‏ أن يكون حدثه قابلاً للتفاوت، فخرج نحو‏:‏ مات وفَنِي، فليس له أفعل تفضيل‏.‏

والخامس‏:‏ أن يكون تاماً، فخرجت الأفعال الناقصة لأنها لا تدل على الحدث‏.‏

السادس‏:‏ ألاّ يكون مَنفيًّا ولو كان النفي لازماً، نحو‏:‏ ما عاج زيد بالدواء أي ما انتفع به، لئلا يلتبس المنفيّ بالمثبت‏.‏

والسابع‏:‏ ألاّ يكون الوصف منه على أفْعَل الذي مؤنثه فَعْلاء، بأن يكون دالا على لون أو عيب أو حلية لأن الصيغة مشغولة بالوصف عن التفضيل وأهل الكوفة يصوغونه من الأفعال التي الوصف منها على أفعل مطلقاً، وعليه درج المتنبي يخاطب الشيب، قال‏:‏

أبْعَد بَعِدْتَ بياضاً لا بياضَ لهُ *** لأنت أسودُ في عَيْنِي مِنَ الظُّـلَمِ

وقال الرضِيّ في شرح الكافية‏:‏ ينبغي المنع في العيوب والألوان الظاهرة، بخلاف الباطنة، فقد يُصاغ من مصدرها، نحو‏:‏ فلان أبْلَهُ من فلان، وَأرْعَنُ، وأحْمَقُ منه‏.‏

والثامن‏:‏ ألاّ يكون مبنيا للمجهول ولو صورة لئلا يلتبس بالآتي من المبني للفاعل وسمع شذوذاً» هو أزْهَى من دِيك» و«أشغل مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْن»، وكلامٌ أخْصَرُ من غيره، من زُهِيَ بمعنى تكبر، وشُغِل، واخْتُصِرَ، بالبناء للمجهول فيهن، وقيل إن الأوَّل قد ورد فيه زَهَا يَزْهو، فإذنْ لا شُذُوذَ فيه‏.‏

4- ولاسم التفضيل باعتبار اللفظ ثلاث حالات‏:‏

الأولى‏:‏ أن يكون مجرَّد من أل والإضافة وحينئذ يجب أن يكون مفرداً مذكراً وأن يأتي بعده بمن جارة للمفضل عليه، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبّ إِلَىَ أَبِينَا مِنّا‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 8‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبّ إِلَيْكُمْ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 24‏)‏‏.‏

وقد تحذف من ومدخولها، نحو‏:‏ ‏{‏وَالأَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ‏}‏ ‏(‏الأعلى‏:‏ 17‏)‏، وقد جاء الحذف والإثبات في‏:‏ ‏{‏أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزّ نَفَراً‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 34‏)‏‏.‏

الثانية‏:‏ أن يكون فيه أل فيجب أن يكون مطابقاً لموصوفه وأن لا يُؤْتَى معه بِمِن، نحو‏:‏ محمد الأفضلُ، وفاطمة الفُضلى، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، والهِنْدات الفُضَليَات، أو الفُضَلُ‏.‏

وأما الإتيان معه بمن مع اقترانه بأل في قول الأعشى‏:‏

ولسْتُ بالأكْثَرِ مِنْهُمْ حَصىً *** وإنَّمَـا العِــزَّةُ للكَـاثِـر

فخُرِّج على زيادة «أل»، أو أنَّ «مِنْ» متعلقة بأكثر نكرة محذوفة، مُبْدلاً من أكثر الموجودة‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يكون مضافاً‏.‏

فإن كانت إضافته لنكرة التزم فيه الإفراد والتذكير كما يلزمان المجرَّد لاستوائهما في التنكير ولزمت المطابقة في المضاف إليه، نحو‏:‏ الزيدان أفضل رجلين والزيدون أفضل رجال وفاطمة أفضل امرأة، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكُونُوَاْ أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 41‏)‏، فعلى تقدير موصوف محذوف، أي أول فريق‏.‏

وإن كانت إضافته لمعرفة جازت المطابقة وعدمها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا‏}‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 123‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَىَ حَيَاةٍ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 96‏)‏، بالمطابقة في الأوَّل وعدمها في الثاني‏.‏

5- وله باعتبار المعنى ثلاث حالات أيضاً‏:‏

الأولى‏:‏ ما تقدَّم شرحه، وهو الدلالة على أن شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها‏.‏

الثانية‏:‏ أن يُراد به أن شيئاً زاد في صفة نفسه، على شيء أخر في صفته، فلا يكون بينها وصف مشترك كقولهم‏:‏ العسلُ أحْلَى من الخَلّ، والصيف أحرُّ من الشتاء‏.‏ والمعنى‏:‏ أن العسل زائد في حلاوته على الخَلّ في حُموضته، والصيف زائد في حره على الشتاء في برده‏.‏

الثالثة‏:‏ أي يراد به ثبوت الوصف لمحلّه، من غير نظر إلى تفضيل، كقولهم‏:‏ «الناقصُ والأشَجُّ أعدلا بني مَرْوان»‏:‏ أي هما العادلان، ولا عدلَ في غيرهما، وفي هذه الحالة تجب المطابقة، وعلى هذا يُخَرَّج قول أبي نواس‏:‏

كأَنَّ صُغْرى وكُبْرى من فَقاقِعها *** حَصْباءُ دُرّ عَلَى أَرْضٍ من الذَّهَبِ

أي صغيرة وكبيرة، وهذا كقول العَرُوضيين‏:‏ فاصلة صُغْرى وفاصلة كُبْرى، وبذلك يندفع القول بلحن أبي نواس في هذا البيت، اللّهم إلاَّ إذا عُلِم أن مراده التفضيل، فيقال إذ ذلك بلحنه، كان يلزمه الإفراد والتذكير، لعدم التعريف، والإضافة إلى معرفة‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ مثل اسم التفضيل في شروطه فعل التعجب الذي هو انفعال النفس عند شعورها بما خفي سببه‏.‏

وله صيغتان‏:‏ ما أفْعَلَه، وأفعِلْ به، نحو‏:‏ ما أحَسَنَ الصدقَ ‏!‏ وأحسِنْ به، وهاتان الصيغتان هما المبوّب لهما في كتب العربية، وإن كانت صيغه كثيرة، من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 28‏)‏، وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «سبحان اللّه ‏!‏ إن المؤمن لا يَنْجَسُ حَيّاً ولا مَيِّتَاً»، وقولهم للّه دره فارساً وقوله‏:‏

يا جارَتَا ما أنْتِ جارَهْ ‏!‏ ***

وأصل أحسِنْ بزيد ‏!‏ أحسَن زيدٌ، أي صار ذا حُسْن، ثم أريد التعجب من حسنه، فَحُوِّل إلى صورة صيغة الأمر، وزيدت الباء في الفاعل، لتحسين اللفظ‏.‏

وأما ما أفْعَلَهُ ‏!‏ فإن «ما» نكرة تامة، وأفْعلَ‏:‏ فعل ماض، بدليل لحاق نون الوقاية له في، نحو‏:‏ ما أحوجني إلى عفو اللّه‏.‏

الثاني‏:‏ إذا أردت التفضيلَ أو التعجب مما لم يستوف الشروط فأت بصيغة مستوفية لها واجعل المصدر غير المستوفي تمييزا لاسم التفضيل ومعمولا لفعل التعجب، نحو‏:‏ فلان أشدّ استخراجاً للفوائد وما أشدّ استخراجه وأشْدِدْ باستخراجه‏.‏

اسما الزَّمان والمكان

1- هما اسمان مَصُوغان لزمان وقوع الفعل أو مكانه‏.‏

2- وهما من الثلاثيّ على وزن «مَفْعَل»، بفتح الميم والعين وسكون ما بينهما، إن كان المضارع مضموم العين أو مفتوحها أو معتلّ اللام مطلقاً، كمَنْصَر ومَذْهَب ومَرْمَى وَمَوْقَى ومَسْعَى ومَقام ومَخْافَ، ومَرْضَى‏.‏

وعلى «مَفْعِل» بكسر العين، إن كانت عين مضارعه مكسورة أو كان مثالاً مطلقاً في غير معتلّ اللام، كمجلِس ومَبِيع ومَوْعِد ومَيْسِر ومَوْجِل، وقيل إن صحت الواو في المضارع كوَجِل يَوْجَل فهو من القياس الأوَّل‏.‏

ومن غير الثلاثيّ‏:‏ على زنة اسم مفعوله كمُكْرَم ومُسْتَخرَج ومُسْتَعان‏.‏

ومن هذا يُعْلَم أن صيغة الزمان والمكان والمصدر الميمي واحدة في غير الثلاثيّ، وكذا في بعض أوزان الثلاثيّ والتمييز بينهما بالقرائن، فإن لم توجد قرينة فهو صالح للزمان والمكان والمصدر‏.‏

3- وكثيراً ما يُصاغ من الاسم الجامد اسم مكان على وزن «مَفْعَلة» بفتح فسكون ففتح، للدلالة على كثرة ذلك الشيء في ذلك المكان، كمأسَدَة ومَسْبَعة ومَبْطَخَة ومَقْثَأَة‏:‏ من الأسد والسبُع والبِطِّيخ والقِثّاء‏.‏

4- وقد سُمِعت ألفاظ بالكسر وقياسها الفتح، كالمسجِد‏:‏ للمكان الذي بني للعبادة، وإن لم يسجد فيه، والمَطْلِع والمَسْكِن والمَنْسِك والمَنْبِت والمَرْفِق والمَسْقِط والمَفْرِق والمَحْشِرْ والمَجْزِر والمَظِنَّة والمَشْرِق والمَغْرِب‏.‏ وسُمع الفتح في بعضها قالوا‏:‏ مَسْكَن ومَنْسَك ومَفْرَق ومَطْلَع‏.‏ وقد جاء من المفتوح العين المَجْمِع بالكسر‏.‏

قالوا‏:‏ والفتح في كلها جائز وإن لم يُسْمع‏.‏

قال أستاذنا المرحوم الشيخ حسين المرْصَفِيّ في «الوسيلة»‏:‏ هذا إذا لم يكن اسم المكان مضبوطاً وإلا صح الفتح، كقولك‏:‏ اسجُدْ مَسْجَد زيد تَعُدْ عليكَ برَكَتُه، بفتح الجيم أي في الموضع الذي سجد فيه‏.‏ وقال سيبويه وأما موضع السجود فالمسجَد، بالفتح لا غير‏.‏ اهـ‏.‏ فكأنه أوجب الفتح فيه‏.‏

اسم الآلة

1- هو اسم مَصُوغٌ من مصدر الثلاثيّ لما وقع الفعل بواسطته‏.‏

2- وله ثلاثة أوزان‏:‏ مِفْعال، ومِفْعَل، ومِفْعَلة بكسر الميم فيها‏.‏ نحو‏:‏ مِفْتَاح ومِنْشَار ومِقْرَاض ومِحْلَب ومِبْرَد ومِشْرَط ومِكْنَسة ومِقْرَعة ومِصْفَاة، وقيل إن الوزن الأخير فرع ما قبله‏.‏

وقد خرج عن القياس ألفاظ منها‏:‏ مُسْعُط، ومُنْخُل، ومُنْصُل، ومُدُقّ ومُدْهُن ومُكْحُلَة ومُحْرُضَة، بضم الميم والعين في الجميع‏.‏

وقد أتى جامداً على أوزان شَتَّى لا ضابط لها، كالفأس، والقَدُوم، والسِّكين، وَهَلُمَّ جَرّا‏.‏